ماذا يريد السعوديون من المعارضة الجبانة في سوريا... علي عيد*

يتردد المحللون السياسيون في الكتابة في مزالق ومخاطر السياسة السعودية في سوريا، ولا أريد أن أتهم الدبلوماسية السعودية بل مراكز صنع القرار الأمني، ففي جميع دول منطقة الشرق الأوسط ـ مع بعض الاستثناءات ـ لا يمكن أن تعمل الدبلوماسية بشكل منفصل، بل هي غالباً تتابع على خطّ القرار الأمني ولا تحظى بفرص المناكفة أو تقديم رؤية وفرضها كما يحصل في دول غربية، أو كما حصل بين الخارجية الأمريكية ممثلة بالوزير ريكس تيلرسون وسيد البيت الأبيض دونالد ترامب فيما يخص الملف الإيراني، ولو أن الأمر انتهى إلى إحالة الأول إلى التقاعد قبل آوان، إلا انه أظهر إمكانية الاختلاف، ومدى قوة الخارجية وتأثيراتها في صنع القرار.
إذن.. ما هذا الذي حصل في الرياض يومي 27 – 28 من كانون الأول – ديسمبر الجاري، وما معنى أن يتم سلق مؤتمر لإعادة بناء كتلة المستقلين في هيئة التفاوض، وما هو معيار الكفاءة بين من سيتم إقصاؤهم ومن سيتم إحلالهم؟؟.
الأسئلة السالفة لا معنى لها سياسياً، والإجراء الذي حصل يشير بطبيعة الحال إلى ضعف في التنسيق والتسويق في ذات الوقت إذا اعتبرنا أن السياسية باتت منتجاً سلعياً يحتاج لإعلام يسوّق وتشبيك وتحضير مسبق مع قوى محلية وإقليمية ودولية.
أما بالنسبة للشارع السوري الذي يجري فرض تلك الأسماء عليه، فهو آخر همّ صانع القرار السياسي في السعودية، وحتى في غيرها من الدول المتدخلة، ولا أعتقد أن 10 بالمئة من السوريين الذي يدعي هؤلاء تمثيلهم يملكون فكرة عن أسمائهم أو سمعوا بهم قبل مرّة، وإن لم يكن ذلك معياراً فعلى الأقل أن تتم مشاركتهم بمبررات هذا الإجراء وإيجابياته وآثاره المستقبلية.
لم يعد أحد يهتمّ للسوريين، وهناك صراع إقليمي دوليّ يجري على أساسه تقييم المواقف تجاه مختلف القضايا ومنها الملف السّوري، وقد لا أبالغ إن قلت إن السعودية مثلاً باتت أقرب لنظام الأسد من الشعب السوري، وأن قيادتها للمعارضة وتحكمها فيها لسبب مالي أو بناء على مخرجات مؤتمرات واتفاقات دولية مثل مؤتمر "فيينا" بات نقطة ضعف للقضية السورية العادلة، فالرياض تحاول سوق "المعارضة" إلى موقع قريب من تسوية لصالح الأسد، وهذا أمر لا يحتاج براهين، ومن دلالاته الموقف الرسمي مما يجري في إدلب، لا مواقف حكومية، لا دعوات لاجتماعات طارئة، لا احتجاجات لدى الأمم المتحدة ومجلس الأمن، لا تفاعل ذو معنى في الإعلام الممول من قبلها، وأكثر من ذلك، هناك دعم مالي وسياسية لكل الفصائل والقوى المعارضة التي تؤمن بالمصالحات على قاعدة إعادة فرض السيطرة بضمانة روسية كما هو الحال في الجنوب السوري، وهذا موقف تتوافق عليه الرياض وأبو ظبي، ويخضع الموقف بطبيعة الحال لإدارة أمنية مغلقة.
سياسة المحاور بين السعودية والإمارات والقاهرة من جهة وتركيا وقطر من جهة ثانية لعبت دورا سلبيا في الفرز، ولم تعد تناقش الملفات بناء على استراتيجيات عقلانية، ودون اتهام أي المحورين، فإن المؤكد أن من حقّ الدول أن تبحث عن مصالحها، وإذا كان هذا المعيار صحيحاً فإن من حق القوى التي لا ترغب أن تكون عرضة للاستقطاب أن تقول كلمتها، وأن لا يتم تنميطها وإلغاؤها تحت قاعدة مع أو ضدّ القاتلة، والتي أدى اتباعها إلى كوارث كما هو الحال في العراق وسوريا واليمن وليبيا.
تتحمل القوى السياسية المستقلة مسؤولية تسليم قرارها في سوريا لأحد الأطراف كغيرها من القوى التي تعمل جهاراً تحت منصّات تديرها دول أخرى حسب مصالحها، وهذا ما يدفع للتساؤل، كيف تكون مستقلّاً وأنت غير قادر على تحديد مكان لممارسة نشاطك السياسي، أو الأرض التي تريد الوقوف عليها، أو حتى الوقت الذي تعلن فيه عن نفسك، أو شركائك الذين يحملون ذات الصفة.
بعض "المستقلين" المدعوّين إلى الرياض جرى إبلاغهم بإلغاء تأشيرات دخولها لحظة وصولهم مطارات الدول التي يقيمون فيها، وهم لا يعلمون السبب، وباتوا محرجين أمام أنفسهم، فهم لا يستطيعون التصريح على العلن ضدّ المؤتمر على اعتبار أنهم قبلوا الذهاب والمشاركة وتم شطبهم في اللحظة الأخيرة، ولكن ما حصل يعتبر مؤشراً على المعايير الدقيقة التي استخدمها الرّاعي في احتصان هذا المؤتمر.
يبدو واضحا من الجلبة التي أحدثتها "المعارضة" السياسية حول مؤتمر الرياض الثالث للمستقلين، بأن الجسم السياسي السوري المعارض "ممسوك" بالمجمل، كما هو حال النظام السوري، وأن العمل على بناء المعارضة المستقلة "ممسوك" أكثر من غيرها من المعارضات، وهم مجرّد "كوتا"، بينما يجري العمل من قبل المتحكّمين فوق الطاولة، وبوحشية دبوماسيّة صارخة.
يسابق السعوديون الزمن لفرض حلّ يعيد سيطرة النظام السوري على إدلب بالتنسيق مع روسيا، ويلعبون ورقة العشائر في منطقة شرق الفرات وتنافسهم فيها إيران، وإذا ما انتهت اللعبة بيد روسيا فإن تركيا ستكون الشريك الأقرب لها لا الرياض إذا اعتمدنا على مبررات الموقع الجغرافي، والعوامل التاريخية لتموضع القوى الخليجية وعلى رأسها السعودية سياسياً، وينسحب هذا على الصين ايضا رغم احتياجاتها من الطاقة.
إن تركيز الرياض في مجهودها الدبلوماسي والسياسي على معارضة بائسة هو جزء من سياستها التي تأثرت بتراجع الحليف الأمريكي، ولعل اندفاعها لبناء علاقات مع قوى كبرى منافسة للأمريكيين أمر منطقي، لكنه يجري بطريقة فوضوية متعاكسة تماماً مع المنطق التاريخي والاستراتيجي.
في أذنك عزيزي المعارض:
إذا كنت قريبا من تركيا فهل تستطيع ـ علناً - إدانة موقفها في إدلب، وإذا كنت قريبا من الرياض وأبو ظبي فهل تستطيع إدانة موقفهما القريب من النظام بشكل صريح، إذن أنت بطبيعة الحال معارض لكل ما يقلل من فرصتك في التواجد على المنصّة، وينسحب الأمر على المستقلين من إنتاج مؤتمر في 3 أيام، وإذا كنت تدافع عن الدم السوري فنسب التهجير لاتزال على حالها، ويمكنك أن تراجع إحصائيات الضحايا المدنيين، وبالمحصلة: إذا كان وجودك خلال هذه السنوات التسع ضرورياً فهو لأنهم يحتاجونك كواجهة فقط، بل سيتم إعادة إنتاج الأسد في عملية أنت جزء منها، وأنت بشكلك الحالي لم ولن تسهم في وقف المقتلة بـ "متليك".
*شاعر وكاتب سوري - من كتاب زمان الوصل
تعليقات حول الموضوع
لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية