أدخل كلمات البحث واضغط على إدخال.

الخزّافة السورية "محاسن سبع العرب": لم أعايش الحرب في سوريا لكنها تعيش داخلي

في أحد معارضها - ارشيف

تعتمد الفنانة السورية "محاسن سبع العرب" في أعمالها الخزفية على مبدأ التجريب أي مجرد تسلية للمتعة وكمحاولة للتعبير عن الذات، وعندها تنتقل هذه التسلية أو التجريب إلى مرحلة الدراسة، تصبح تسلية موجهة، إذ يتدخل العقل أحياناً ليصحح وأحياناً ليخرب، ثم تليه التجربة أو تشاركه فتكشف ما تريد قوله وتكتشف أيضاً أشياءها المهمة على مستوى التعبير فتطورها وهكذا تصبح التسلية مدروسة وأكثر وعياً ليتحول الطين إلى قطعة فنية تنبض بالإبداع.

درست "محاسن"، التي تنحدر من مدينة حماة، في معهد للفنون التشكيلية بدولة الإمارات العربية المتحدة، ومثل كل الأطفال الذين يمارسون الخربشات الطفولية بدأت خربشاتها تتحول مع مرور الوقت إلى خطوط وأشكال لها معنى، ومع الدراسة الأكاديمية تطورت وصقلت موهبتها لتتخذ اتجاهاً وحدوداً معروفة –كما تقول لـ"زمان الوصل"- مضيفة أنها استطاعت بعد تخرجها من كلية الفنون الجميلة أن تؤسس في تجربتها التشكيلية عامة لمسار خاص بها وأفكار شخصية، حيث وجدت نفسها أكثر في رسم الجدران المهترئة والحارات القديمة، متبعة الأسلوب الواقعي في أكثر أعمالها قبل أن تتجه في فترة لاحقة إلى الرمزية.

وتابعت أنها تمكنت من الاعتماد على نفسها بالدرجة الأولى في صقل موهبتها وممارسة النقد الذاتي على أعمالها: "كنت أهتم كثيراً بتطوير نفسي من حيث تركيزي على عمق الفكرة مع بساطة الخطوط واختيار الألوان المتناغمة المعبّرة عن أجزاء اللوحة".

وحول بداية شغفها بالخزف ومالذي جذبها إلى هذه الخامة الفنية أشارت "سبع العرب" إلى أن العمل بالطين والصلصال وتحويله إلى خزف كان من ضمن دراستها في الكلية، ووجدت نفسها ميّالة إليه فتعمقت فيه ثم كان التخصص ومشروع التخرج عبارة عن عمل خزفي.

ونوّهت إلى أنها تحرص على أن يجد المتلقي نفسه مشدوداً إلى العمل بكليّته وكأن هناك علاقة صداقة أو خيط محبة يربطه به، واستدركت: "من المعروف أن العمل النحتي يتسم بالجمود، وهنا يتجلى إبداع الفنان وسحر الأصابع الماهرة، حيث يضفي نوعاً من الحيوية على العمل يبث الروح بكتلة طين صماء، فيبعث فيها الحياة حتى يجعلها تلامس مشاعر المشاهد وتستأثر بتفكيره التأملي.

ولفتت "محاسن" إلى أن العمل مع الطين أو بالطين أمر له نشوته الخاصة وفي النتيجة فإن الفنان سواء أكان رساماً أو نحاتاً يصب أفكاره وأحاسيسه على عمل تنتجه أصابعه.

وعن مراحل عملها على الخزف بدءاً من اختيار المادة الخام ووصولاً إلى إنجاز العمل الفني أوضحت الخزافة السورية أن المرحلة الأولى هي اختيار الفكرة وهي المرحلة الأصعب والأشد تعقيداً- وقد تستغرق أياما طويلة وبعد اختيار فكرة العمل تبدأ باختيار نوع الطين (الصلصال) المناسب للعمل وهناك أنواع عدة منها الأحمر والأبيض، ولكل قطعة فنية ما يناسبها من حيث التماسك والصلابة ونقاء المادة الخام مع مراعاة أن تبقى القطعة الفنية رطبة طوال فترة العمل، وتستخدم في التعامل مع الخزف –حسب قولها- أدوات خاصة منها ما هو خشبي ومنها المعدني.

بعد الانتهاء من العمل يُترك عدة أيام ليتبخر ماؤه ثم يوضع في فرن خاص بالخزف لمدة 24 ساعة على درجة حرارة 1000 فهرنهايت، وفي اليوم الثاني يتم إخراجه وتركه ليبرد، أما المرحلة اللاحقة –كما تقول محدثتنا- فتتمثل في عملية "التزجيج" وهي تلوين الخزف بألوان خاصة، مشيرة إلى أن الخبرة والممارسة هنا تلعب دوراً كبيراً، إذا إن طبيعة الألوان ودرجاتها تختلف كلياً حين وضع اللون وبعد "فخره" وعلى الفنان المبتدئ أن يجرب اللون على قطعة خزفية خارجية ليرى ما هي نتيجته النهائية، وتأتي المرحلة الأخيرة من العمل وهي إعادته إلى الفرن بدرجة بدرجة حرارة 500 فهرنهايت وهنا تمتص القطعة الفنية الألوان وتصبح جزءاً منها، وتتعمد "محاسن" على إبقاء بعض أعمالها دون تزجيج (تلوين) لأن الفكرة تكون بحاجة لإبقائها على حالتها الأولى.

وعن تفسيرها لتراجع الاهتمام بالأعمال الفنية المصنوعة من الخزف وهل لهذا علاقة بصعوبة تنفيذها أو تسويقها أوضحت الفنانة الحموية أن السبب يعود غالباً الى تصنيعها وإنتاجها بطرق آلية وغير يدوية، وهذا جعلها تتوفر بشكل واسع وبأسعار رخيصة (أعمال تجارية) ولذلك قلّ الطلب على القطع المصنوعة يدوياً، علاوة على أن الوضع العام في الوطن العربي متأزم منذ سنوات طويلة ولم يعد للفن التشكيلي بكل خاماته وتقنياته أناسه المهتمون كما كانوا في السابق.

وشاركت "محاسن" لعدة سنوات في مهرجان "الشارقة" للفنون الإسلامية، بالإضافة إلى مشاركتها في معارض كان يقيمها معهد الفنون التشكيلية لطلابه ولديها معرض شخصي واحد كان بعنوان "وطني" ضم 22 عملاً تراوح بين الرسم والخزف بالإضافة إلى 3 لوحات حروفيات بألوان "الاكريليك".

ولفتت محدثتنا إلى أنها حاولت من خلال هذا المعرض التركيز على الأعمال التي ترمز للوطنية أو الانتماء، وكان العمل الأبرز في هذا المعرض -حسب قولها- هو عمل خزفي قريب من نفسها جداً بعنوان (خروج) يرمز للإنسان حين يقرر أن يتحرر من عبوديته أو أفكاره أو تقاليده أو إرثه القديم أو كل ما يمت للماضي بصلة.

وفازت "محاسن" بالمركز الثاني على المنطقة الشرقية ضمن مهرجان "الشارقة" الإسلامي عام 2015 بعمل خزفي يرمز إلى بيت مال المسلمين والعملات الثلاث واحدة للدولة الأموية والثانية للعباسية والثالثة للفاطمية وتركت العمل دون "تزجيج" (تلوين) ليرمز –حسب قولها- إلى الحضارات القديمة.

وحول تأثير الحرب عليها كإنسانة وفنانة نوّهت إلى أنها لا تعرف وطنها-سوريا- أبداً لأنها عاشت خارجه منذ الولادة ومع ذلك سعت -كما تقول- لأن تخلق لها وطناً خاصاً بها، مستعينة ببعض التفاصيل التي قُصّتْ عليها وببعض (هرمونات انتماء) ورثتها وببعض الأحلام.
وأردفت أن ابتعادها عن الوطن لم يمنعها من أن تكون متابعة نهمة لكل أحداث الحرب التي تعيش في داخلها، وعلى إطلاع بشكل يومي على مآسي الشعب السوري، وانعكس هذا الاهتمام على بعض أعمالها وبخاصة في بداية اندلاع الحرب تقول: "لا أنكر أن للحرب تأثيراً علي كإنسانة وفنانة، فالفنان أولاً وأخيراً كتلة من الأحاسيس فيما يتعلق بتفاصيله الخاصة ولذلك رسمت عدة لوحات رمزية عن الحرب وعن الدماء التي سالت وعن الظلم والاعتقال والتهجير".

فارس الرفاعي - زمان الوصل
(357)    هل أعجبتك المقالة (303)
التعليقات (0)

تعليقات حول الموضوع

لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية
*يستخدم لمنع الارسال الآلي