سخونة اقتصادية سياسية عاشتها فرنسا طيلة العام الجاري، ومع اقتراب أيام العام من النفاد ازدادت سخونته بتصعيد "نقابي" جاء على شكل مظاهرات وإضرابات هي الأوسع من نوعها في البلاد منذ عقود، وذلك على خلفية سعي حكومة إدوارد فيليب لتعديل قانون التقاعد الذي قوبل بالرفض من قبل اليسار واليمين.
وبذلك وضع الرئيس ماكرون نفسه، ومعه الفريق الحكومي تحت ضغط جديد، فملف حركة "السترات الصفراء"، لم ينته بعد، رغم أن نشاط الحركة في الشارع بات أقل زخما، إذ يمكن ملاحظة تراجع شعبيتها، لأسباب تتعلق بالإجراءات الإسعافية، الاقتصادية، التي اتخذتها الحكومة بعد أن أطلقت "الحوار الكبير" بين مؤسسة الرئاسة والحكومة من جهة والمؤسسات والنقابات المهنية والدوائر الإدارية من جهة ثانية، هذه الإجراءات وإن اعتبرتها كتلة من "السترات الصفراء" غير كافية إلا أن قسما آخر وجد فيها خطوة جيدة، أما السبب الآخر في تراجع شعبيتها فهو الممارسات العنيفة في الشارع كحرق السيارات وتكسير واجهات المحال والبنوك، وقد حُملت الحركة الشبابية مسؤوليتها، إعلاميا على الأقل.
ما يحدث في فرنسا، ليس خارجا عن المألوف في بلد عريق بتجربته الديمقراطية، لكن ما يبدو غريبا هو ذهاب الرئيس ماكرون وفريقه في خياراتهم، وضمن الولاية الرئاسية الأولى، إلى ملفات تمس قطاعا حساسا من المجتمع (لمتقاعدون) وهم كتلة بشرية مؤثرة في الانتخابات، الأمر الذي يشير إلى أن الانتخابات الرئاسية المقبلة ستشهد حالة استقطاب غير مسبوقة وربما تأتي برئيس من أقصى اليمين، اليمين الذي يبدو أنه يجيد استثمار الحالة القائمة في البلاد أكثر من اليسار، وبالتالي لم يعد مستبعدا أكثر من أي وقت اجتياح اليمين، سياسيا، للساحة الفرنسية، التي تشكل مع ألمانيا الرافعة الأساسية للاتحاد الأوروبي.
وهذا ينسجم مع ميول الناخب الأوروبي عموما، ويمكن اعتبار فوز حزب المحافظين البريطاني حامل لواء الانسحاب من الاتحاد تعزيزا لحالة التوجهات اليمينية في أوروبا، فالناخب الفرنسي، ووفق ما يحدث الآن لا يبدو أنه سيكون راضيا عن الإدارة الحالية، وربما سيكون اليمين خياره الأول في الانتخابات المقبلة، وإن مضطرا، مع غياب الدور الواضح للقوى السياسية الأخرى، هذا إن لم تنتج الفترة المتبقية من رئاسة ماكرون شخصية جديدة كما جاء ماكرون نفسه يوم ضاقت خيارات الناخب الفرنسي.
لا شيء يبدو حتميا حتى في الدول ذات التجربة الديمقراطية وربما تشهد فرنسا تحولا كبيرا تنتهي بموجبه الجمهورية الخامسة وتبدأ السادسة وهذا ما بدأت بعض الأصوات تدعو إليه.
عام فرنسي ساخن.. حسين الزعبي*

*من كتاب "زمان الوصل"
تعليقات حول الموضوع
لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية