وقعت تركيا والحكومة الليبية المعترف بها دولياً، اتفاقية بحرية ترسم الحدود المائية في البحر المتوسط بين البلدين، وتعطي لتركيا ما مساحته 1450 كليومترا مربعا من مساحة البحر المتوسط، ولها كامل الحق بالتنقيب عن النفط والغاز في مياهها الجديدة.
الطاقة.. أحد أهم نقاط الضعف الرئيسية في تركيا، فتركيا ما زالت مقيدة بمعاهدة "سيفر" عام 1920 عقب الحرب العالمية الأولى أيام الحكم العثماني، ومعاهدة لوزان 1923 التي كانت هي بداية النهاية للإمبراطورية العثمانية والتي فرضت على تركيا الكثير من القيود والتي أسماها الأتراك بالمعاهدة المذلة.
وبالرغم من ذلك قامت تركيا بإجراء 2726 محاولة تنقيب وتثبيت للنفط منذ عام 1934 وحتى عام 2014.
وتُقدر متوسط القدرات الإنتاجية سنوياً لهذه الآبار التي تتمركّز في الجنوب الشرقي للبلاد، وبعض المناطق الأخرى، بـ 1.6 مليون طن نفط خام، و343 مليون متر مكعب من الغاز الطبيعي، أي أنها تُنتج يومياً ما متوسطه 46 ألف و536 برميلا، و1.41 مليون متر مكعب من الغاز الطبيعي.
حتى اللحظة أعلنت تركيا أنها بدأت بإنتاج النفط بشكل جزئي بعد حفر قرابة 1300 بئر بلغ انتاجهم 33 ألف برميل يومياً، وغاز طبيعي بلغ 552.701 متر مكعب يومي.
ولهذا فإنها تستورد المواد البترولية من إيران وروسيا وتصل قيمتها إلى 39 مليار دولار في الميزان التجاري للبلاد.
لا ننكر أن تركيا باستطاعتها أن تكون قوة نفطية قوية خاصة إذا علمنا أنها تملك احتياطيا نفطيا يقدر بـ 300,000,000 برميل، لكنها تعاني من اختلال في ميزانها التجاري عجز فيه بما يقارب 4 أضعاف، كذلك ارتفاع معدلات التضخم، وصعود معدل البطالة، ولا يزال الاقتصاد التركي يواجه تداعيات هبوط قيمة العملة التركية في العام الماضي، حيث فقدت قرابة 30 في المئة من قيمتها مقابل الدولار.
هذا ما يجعلنا نفهم الرغبة التركية الدائمة بالتمدد باتجاه شرق المتوسط للتنقيب عن المزيد من حقول الطاقة خارج أراضيها لردم الفجوة الاقتصادية الحاصلة في البلاد.
بدأت تركيا أولى محاولتها بالتنقيب قبالة سواحل فلسطين المحتلة، في مواقع تمار وليفياتان وأفروديت، في هذه الأماكن الثلاثة تتركز احتياطيات ضخمة من الغاز الطبيعي، ما أثار نزاعًا محتدماً في حينه بين دولة الكيان الإسرائيلي وتركيا، ومع قبرص أيضاً من جهة ثانية.
واليوم توسع تركيا ما تسميه بالوطن الأزرق في المتوسط بتوقيع هذه الاتفاقية، حيث يصبح من حقها الوصول إلى منطقة المياه الاقتصادية التي تسعى اليونان وقبرص للحصول عليها، وتكون بذلك فتحت الطريق في المنطقة الممتدة من تركيا إلى ليبيا، فباتت الجزر اليونانية لا تملك إلا مياهها الإقليمية.
كانت تركيا قبل هذه الاتفاقية تعتبر نفسها مظلومة بحسب تعبير سياسييها، لأنها محرومة من الوصول إلى منابع الغاز المكتشفة عام 2000، والآن رسمت الحدود بتقسيم عادل لمياه المتوسط، بحسب تعبير السياسيين الأتراك أيضاً.
تدخل اليونان على خط التوتر وتعتبر أن تركيا استغلت سقوط نظام القذافي، لتزيد حدودها المائية إلا أن ليبيا باعتقادي، قامت برد الجميل لتركيا حيال موقفها مع حكومة الوفاق الليبية، في وجه قوات حفتر المدعومة من قبل إنكلترا وفرنسا وكذلك الإمارات العربية المتحدة.
تتفاقم الأزمة باعتراض اليونان وقبرص وحكومة الاحتلال الإسرائيلي، خشية أن يؤدي الاتفاق إلى تعقيد مشروع بناء خط أنابيب غاز إيست ميد (إسرائيل وقبرص واليونان وإيطاليا)، والذي سينقل غاز المتوسط إلى أوروبا، لكن تركيا تمضي بمشروعها غير آبهة لهذه الاعتراضات ففي النهاية تكون تركيا قد ضمنت مكانةً متقدمة على خارطة منطقة اقتصادية تعتبر من أهم مناطق الطاقة عالمياً، مستفيدة من موقعها الجغرافي المتميز، وسياساتها الناجحة مع دول المنطقة -المتصارعة فيما بينها أحياناً- والمتوافقة مع تركيا، ضاربة بعرض الحائط كل الاعتراضات والانتقادات، مؤكدة على أن أعمال التنقيب التي ستقوم بها سينبثق عنها السلام والازدهار وليس الصراع والدماء.
تعليقات حول الموضوع
لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية