العلويون... د. محمد الأحمد*

يحزنني ويغضبني كثيراً واقع لا يمكن إنكاره، وهو أن الطائفة العلوية قد وضعت بين المطرقة والسندان في سورية، فهي تحرم من أهم عناصر التنمية المدنية الطبيعية من أجل أن يصبح أبناؤها عسكراً اًو أمنيين! وهاهي إحصاءات التراخيص في وزارة الإدارة المحلية تدل بالأرقام على ما نقول، حيث إنه ممنوع في الساحل إنشاء أو ترخيص المصانع والمشاريع التي قد تستقطب أعداداً كبيرة من العمال، حتى أن هذه المنطقة – مثلاً - وهي منطقة زراعة الحمضيات الأولى في سورية بدأت بقلع أشجار الحمضيات، لأن ما يحصل مع المزارع هناك أشبه بالكفر فهو يضع (دم قلبه) كما يقال من أجل إنتاج الليمون والبرتقال والكرمنتينا، وعندما يبدأ موسم جني المحصول تسارع الدولة باستيراد الموز عن قصد، ثم يأتي التجار ليعرضوا على المزارع مبلغ (خمسين ليرة) للكيلو (10 سنت)، بينما تبلغ كلفة الإنتاج 150 ليرة على الأقل، وبمقارنة بسيطة مع فلسطين المحتلة، نرى بأن الإسرائيليين يبيعون للعالم في كل عام بمئات آلاف الدولارات من الحمضيات فقط.
أما بالنسبة للتنمية السياحية فهي تبدو مخجلة في واقع الأمر منذ عشرات السنين- بشكل متعمد - ويكفي لأي زائر للمنطقة أن يرى حال وواقع البنية السياحية البحرية السورية مقارنة مع لبنان أو تركيا ليشعر بالخجل !!.. وإذا عرفنا أن منطقة مصياف كلها التابعة لحماه ممنوع عليها ترخيص حتى ورشة ميكانيك وخراطة وتسوية (معادن)، وأن على ابن المنطقة أن يسافر لحماة أو حمص، لإصلاح سيارته أو إنجاز أي عمل من هذا النوع، فإننا نستطيع أن نفهم السياسات التي تهدف في النهاية أن يجد الشاب نفسه عسكرياً ضابطاً أو صف ضابط، إن كان في الجيش أو في المخابرات، دوناً عما يعرف في علم الاجتماع بتعميم الظاهرة أو التقليد المقصود الذي يلحق بمنطقة بعينها.
كما أنه من دواعي الألم والوجع أن تكون لهجة التعذيب في أقبية السجون هي لهجة أبناء الساحل، الأمر الذي يؤسس لذاكرة تاريخية أقل ما يقال فيها هو الخجل والاشمئزاز، فبعدما كان العلويون سواء بسواء مع أهلهم من كل أنحاء وأطراف البلاد السورية جزءاً أساسياً في دحر المستعمر والمشاركة مع كل أبناء الوطن في ثورة 1925، والافتخار بتلك اللحظة التاريخية التي حاول فيها المستعمر الفرنسي أثناء تفاوضه مع الشيخ (صالح العلي) إقناعه بإنشاء دولة علوية فرفض، ووضع المذهب على هويات المواطنين فقال: إن كان ضروريا فتكتب أننا (سنة) ...
بعد كل هذا التاريخ، وبعد أن قدمت حامية (تلكلخ) بقيادة النقيب محمد معروف السلاح للرئيس هاشم الأتاسي، رافضة رشوة الفرنسيين لكي يعلن رفضه للجلاء عام 1946، وبقاء الساحل تحت الانتداب لإنشاء كيان علوي، بعد كل هذا نصبح في زمن، تحول فيه عدد من أبناء الطائفة إلى جلادين يسومون أشقاءهم في الوطن أقسى أنواع التعذيب...
من أجل من؟ و من أجل ماذا؟ ولماذا؟
وبرغم أن البعض في حواراتنا معه، يحاول أن يلجأ للتاريخ في الدفع بأن لكل دولة حراسها! وهاهو التاريخ يتحدث عن السلاجقة والأتابكة، وكيف دخلوا إلى قصور الدول، حتى أن المماليك قد كانوا حراس الأيوبيين !!، وبأن الشراكسة حتى اللحظة هم حراس الملك في الأردن، وتلك الخصلة ضرورية من أجل استقرار نظام الحكم ! إلا أن الرد على هؤلاء تلقائي، و هو أن ذاك ليس في الدول العادلة والمتوازنة، وأن العصر الذي نعيش فيه يلفظ كل الدول التي لا تضع أقدامها على سكة العصرنة والتطور ورفع قيمة الإنسان فوق أية قيمة !! فلا شيء مطلقاً يبرر هذه الظاهرة المريضة.
لكن و من جهة ثانية لا أعلم كيف يستوي عند البعض أن يرى بأن العلويين يحكمون سوريا؟؟
فالحارس ليس حاكماً، وهو إن وضعته الحياة في موقع حامل البندقية لحرمانه من التنمية بشكل ممنهج واشتغل على تخويفه بألف طريقة من شقيقه في الوطن – من أجل هدف بعينه – فإن هو إلا متبرع مغدور بكل دمه !! لأجل مصلحة فرد .. ولا توجد فئة حاكمة تعيش هذا القدر من الفقر والحرمان والمنع من كل أسباب التطور، ومن هم مستفيدون من الحكم لا تصل نسبتهم لعشرة بالمئة من أبناء الطائفة، سوى أن الفقراء الذين يتم تخويفهم من بعضهم البعض، هم من يدفعون فاتورة الدم كما ذكرنا، ومن الطرفين!!
وحيث إن الضحايا مليون ونيف، وإن الدم كله دم واحد، فلا أجد لأبناء المأساة السورية إلا مخرجاً واحداً وهو وطء الخوف بين بعضهم البعض وإقامة وحدة وطنية لا تنكسر، وبناء وطن الحرية والكرامة والعدل.
عاشت سورية
*أستاذ جامعي سوري - من كتاب "زمان الوصل"
تعليقات حول الموضوع
لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية