قال الشاعر السوري أدونيس حول جائزة نوبل للآداب التي يعتبر مرشحا دائما لنيلها، أنه على العرب أن يسألوا عن أحوال الجوائز في بلادهم قبل السؤال عن نوبل، وأضاف أن هذه الجائزة تحيط حولها أوهام كثيرة، مثل أغلب الجوائز العربية، وهي لا تختلف عنها إلا بالحجم، لها نفس اعتبارات التحليل، وفي النهاية يبقى اعتبار جائزة نوبل كما يرى أدونيس هو "السياسة"، وبالنسبة له لا يرى بالجوائز أي قيمة معنوية باستثناء القيمة المادية التي تريح الشاعر من تعب العمل وتجعله متفرغا أكثر للكتابة.
وتطرق أدونيس في لقاء له على مدرج مار بطرس بمرمريتا للصراع الدائم بداخله حلو ما أسماه الهوية الجاهزة المسبقة الصنع وبين ما يبتكر، وقال أنه يميل دائما للهوية المبتكرة أكثر من الجاهزة التي تقبلها مسبقا.
وردا على سؤال حول العلمانية في الوطن العربي وخصوصا في سورية أجاب الشاعر أن ملاحظات كثيرة على الأحزاب الثلاثة (الشيوعي والقومي والبعث) التي قادت سوريا فترة الأربعينات والخ
مسينيات من القرن الماضي، فجميع هذه الأحزاب كما يراها أدونيس كانت تنادي بالعلمانية وفصل الدين عن الدولة وتأسيس المجتمع المدني، وأحد هذه الأحزاب وهو "البعث" تسلم السلطة في سوريا ولا يزال فيها وتسأل أدونيس ماذا فعل هذا الحزب أو تلك الأحزاب بهذا الشأن...
وأضاف: "إن سورية ليست فقط قلب العروبة النابض، بل قلب التاريخ في العالم وهي معنية أكثر من غيرها في تحقيق العلمانية".
وبعد قراءته لقصيدة الوقت التي كتبها أدونيس عام 1982 فتح باب الحوار مع الحضور، وحول الشعر الحديث وغياب قصيدة الشطرين الموزونة المقفاة قال: "لا يستطيع أحد أن لا يعجب بشعر أمرؤ القيس والمتنبي وأبو نواس وهؤلاء...، أو يرفضهم لكن مشكلتنا في من يكتب بظلهم... في تقليد القديم، أنا لست ضد الشعر الحديث أو الذين يحبون الشعر فقط بالوزن والقافية... أعطيهم الحرية الكاملة لأن أجمل ما في الشعر هو تذوقه».
وأضاف: «أنا شخصيا تلميذ الجميع تلميذ العشب والزهر والشعراء من أصغر واحد إلى أكبر واحد، أيا كانوا وفي أي لغة كتبوا، كل حياتي "تتلمذ" على الأشياء والبشر والتاريخ، ولا أستطيع أُسمي الذين تتلمذت على أيديهم لأن الوقت لا يتسع لذلك».
كما وصف أدونيس شعر المقاومة بأنه شعر إنشاء بالكاد يوجد فيه صورة فنية جميلة، يقتصر دوره على التحريض والشحن والتوعية أحيانا. وقال أنه ليس بالشعر العربي وحده بل عند كل الشعراء اللذين كتبوا عن الثورات. وأضاف أدونيس أنه افتتن بالثورة الإيرانية كغيره من الشعراء لأنها جاءت دون عنف وحققت إرادة الشعب وكانت نموذج فريد من الثورات، لكنه أصبح فيما بعد ضد قيام الدولة على الدين وكتب عدة مقالات نقدية حول ذلك، وأنه لم يتلق أي دعوة رسمية لزيارة إيران وعند زيارته لها قاطعه كل المسؤولون السياسيون ولم يستقبله سوى الطلاب والشباب.
كما تحدث أدونيس عن الدين بوصفه جاء بخدمة الإنسان لا الإنسان بخدمته كما يحصل الآن في وطننا العربي حسب رأيه . حين قال: " أنا ضد الدين بوصفه مؤسسة أو دولة أنا ضده بالمطلق حين يصبح هكذا".
وعن دور المثقف العربي قال أدونيس أنه غائب تماما بسبب غياب الحرية حيث قال: " عندما تجدون مسؤولا عربيا يدافع عن الحرية عندئذ يمكننا أن نقول أن للمثقف الحر دور لأن الأحرار دائما يدافعون عن الحرية ولا يخافون منها لكن السياسيون العرب لا يعترفون بوجود المثقف وعندما يصبح هذا الأخير قول ما يريد ولا يبق موظفا لأن الموظف ليس له دور".
وحمل أدونيس السياسيين مسؤولية غياب المثقف عن ساحة الفعل عندما قارن بين مساحة الحرية التي يتحرك بها المفكر العربي والمفكر الغربي حيث قال: "كل سياسة لا تكون عظيمة إن لم تؤسس على ثقافة عظيمة، والشعر هو جوهر الثقافة وهو اللهب الذي يجعل الثقافة تفلت من السياسة".
وعن سبب عدم كتباته لقصائد عن المناسبة الوطنية الكبرى أجاب : "لا يمكن أن يكون الشعر وسيلة لأي شيء وكل شيء يجب أن يكون وسيلة من أجل الشعر، أنا أريد أن أكتب لكي أخرج قارئي من نفسه أعلن حربا بداخله أجعله يقلق ويتمزق".
ورأى أدونيس أن الهوية الحالية ليست شعرية ولا أدبية بل دينية مع الأسف والدين هو التيار الغالب حاليا وقال : "أنا ضد الدولة العربية المركزية الواحدة بل مع الثقافة العربية الواحدة والاقتصاد العربي الموحد".
وطرح أدونيس مثال يطرحه دائما عندما افترض أن هناك مؤتمر كوني لمناقشة أوضاع العالم وتسأل ماذا لدينا لنقدم على هذه الطاولة من العلوم والمعارف والرؤى الاستشراقية لبناء العالم، ماذا افتتحنا من مراكز البحوث العملية لدراسة الاقتصاد أو الشعر أو منذ 1500 عام لم ينشر إلا ثلاثة كتب عن جمالية الشعر
وختم حديثه قائلا: "لا هوية لشعب ليس لديه إبداعات إذا غابت الابداعات أصبحنا قطعان بشرية".
تعليقات حول الموضوع
لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية