أدخل كلمات البحث واضغط على إدخال.

أنا الزعيم..ألم تعرفوني؟... د. محمد الأحمد*

صورة تعبيرية

كان بعض حكام الزمن القديم يتنكرون وينزلون إلى الأسواق، ليعرفوا حال العامة والبلاد، حيث ساعد هذا مخيلة الكتاب لابتداع قصص وروايات، منها أن الملك المتنكر ما عاد قادراً على العودة إلى قصره، بسبب حراسه هو، حيث يذوق عسفهم، وتنكيلهم لمجرد أنه يأتي إلى باب القصر وهو متنكر ليقول: أنا الزعيم ! يا شباب ألم تعرفوني؟؟!! فيسومونه أقسى العذاب، وهم يظنون أنه كا²ب ومدع وأن زعيمهم ينعم في الداخل بسريره الناعم !

أما اليوم فلقد تغير الحال، ففي عصر وسائل التواصل، نشك بأن حاكماً واحداً ليس لديه صفحة فيسبوك، أو تويتر، إن كان علناً أو باسم مستعار ! ولقد أعفاه هذا الأمر من ضرورة التنكر والنزول إلى السوق، فالناس على شبكات التواصل خصوصاً في عالمنا العربي، تبق البحصة كما يقال وتقول ما يجول بخاطرها.

في سورية استشعر بعض عمال النظام خطر الفيسبوك، لكنهم جمعوا بين الماضي والحاضر واخترعوا شخصية متنكرة أسموها (نارام سرجون) وهو مجموعة كتاب وليس شخصاً بعينه، وهو ينزل إلى الساحة متنكراً- ساحة الفيسبوك - منذ عام 2011، ويكتبون باسمهم هذا الذي يشبه ذقناً وشنباً تخفي وراءها (إقطاعياً)، لا يريد فقط أن يعرف ماذا تقول الناس عنه، بل أن يستغل المناسبة ليلقي عليهم بسعة معرفته وحذاقته.

ولأنني أتوخى الموضوعية دوماً أقول لقد نجح المتنكر الفيسبوكي (سرجون) خلال هذه السنوات في الوصول إلى عقول كثيرة، ليس في الحقيقة لأنه عبقري بل لأن غيره كان غبياً !

وكنت في البداية أظن أن (نارام سرجون) هو فرد كاتب بالفعل، حتى تأكدت بأنهم مجموعة يقودها بهجت سليمان، تكتب نصاً وتمشطه وتجدله وتضع عليه مساحيق المعرفة.. وعندما كنت أظنه فرداً كنت أقول في نفسي هذا الرجل المتنكر، لا بد أن يقف يوماً موقف العائد إلى قصره فيأكل قتلة من حراسه !! لأن الثقافة وعمق المعرفة والإدراك لا يمكن ألا تصل إلى الصدام مع العسف والاستبداد، وبعكس هذا، أي بعدم الصدام يترهل القلم وتغيب عنه المعرفة ويفقد أي بريق.

منذ أيام عاد (نارام سرجون) للظهور مجدداً بعد غياب على الفيسبوك، بمقالة لا يمكن القول عنها إلا بأنها سقوط حر فلسفي وسياسي ! 

فهو في هذه المقالة يريد القول إن عصر الشعب والجماهير انتهى !! وإن الجماهير مجرد دهماء كاذبة منبهرة مغشوشة ويسوق أمثلة لبنان والعراق ليصف الشعبين الثائرين على الجوع والعسف والمذهبية بأنهما لحظة خيانة وطنية وعمالة أمريكية !

يبدو لي – مجازاً - أن هذا المتنكر على باب قصره قد أكل اللازم من حراسه هو ! إلا أن لحظة التعارف بينه وبين حراس قصره قد نجحت واستطاع أن يثبت لهم بأنه (الإقطاعي) صاحب القصر فعلاً، بعد أن رفع عن وجهه ذقن المثقف والكاسكيت، ورمى الغليون في المزبلة وصاح: أنا بهجت يا شباب أنا الإقطاعي !! فعرفوه على الفور واستطاع للمرة العاشرة أو العشرين أن يمارس الدورين على الناس، أي دور الإقطاعي ودور المثقف (أبو الكاسكيت) .

ما يهم قوله هنا له ولغيره، إن استخدام ضابط أمني لديه إحساس عال بخطر الكلمة، وهذه تحسب له وليس عليه ونزوله متنكراً بين الناس، في الحقيقة يشبه عملية الانسحاب التي تمارسها القطعات العسكرية لكي تسمح للمدفعية أو الطيران بالقصف، فليس (نارام سرجون) بعد الآن سوى قذيفة مدفع (فكرية) تلقى على الأبرياء والجوعى، ولا يقع ضحيتها إلا السذج والأغبياء !

إن الجماهير العربية أعادت رسم طريقها بشكل صحيح ورفعت عن كاهلها أحمال الماضي التعس وعرفت درب بناء الأوطان المدنية العلمانية ! وها هي تصدح أصواتها حتى تسمع العالم وهي لن تقف لا بقصفكم المدفعي ولا بقصفكم الفذلكي !

عاشت بيروت
عاشت بغداد
عاشت دمشق

*أستاذ جامعي سوري
(262)    هل أعجبتك المقالة (233)
التعليقات (0)

تعليقات حول الموضوع

لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية
*يستخدم لمنع الارسال الآلي