باتت الليرة شغل السوريين الشاغل سواء أكانوا من المحكومين بالتعامل بها في الداخل، أو من أولئك الذين في الشتات ممن يتعاطون باليورو والدولار أو حتى الليرة التركية، وأصبح الحديث عن الليرة بعد اقترابها من الانهيار يتأرجح بين حديث مؤمل بأن يؤدي التراجع الحاد بسعر صرفها إلى إنجاز ما لم ينجزه العسكر والساسة من إسقاط للنظام من خلال التبشير بثورة جياع، وبين من يرى استحالة هذا الامر فمن لم تحركه "كرامته لن يحركه جوعه"، ليتبعه آخر بالتأكيد على أن هذا النظام لا يمكن أن تزيحه أزمة الليرة أو أي أزمة اقتصادية أخرى حتى لو مات الشعب السوري، كل الشعب السوري جوعا فهو ،أي النظام، بحاجة لقوة خارجية تقتلعه اقتلاعا..
في حديثهم عن الليرة ذهب آخرون إلى الشماتة المعلنة بمن هم في الداخل، مع شرح بسيط، بأنهم يقصدون الموالين للنظام وأحيانا الذين سكتوا عن جرائم النظام، متمنين لهم المزيد من "الجوع والطاعون والوباء" مع ضرورة ختم منشوراتهم بكلمة "منتصرون".. مشهد مؤلم فرضه النظام قبل غيره من القوى الإقليمية على السوريين وحول الكثير منهم إلى وحوش يفترس بعضها بعضا، فالقاتل يزعم الوطنية السورية والمقتول كان كذلك، بل ونجح في جعل ممن هم على ضفة واحدة، أيضا وحوشا ينهش بعضها بعضا.
السوريون وفي مقاربتهم لأزمة اقتصادية، مازالت في بدايتها، ومن شأن تبعاتها إن تفاقمت ألا تكون أقل سوءًا مما جاءت عليه آلة الحرب المستمرة، في مقاربتهم الأولية، مؤشرات إلى أن سلوكيات لا تقل وحشية عن آلة النظام الحربية ولا تقل سوادا عن ظلامية الجماعات "الإسلاموية" ستفرزها الايام المقبلة، وسيكون ضحاياها من هم في الداخل بكل انتماءاتهم، وربما لن تستطيع بقايا مفاهيم التكافل المجتمعي أن تصمد بوجهها، فالجائع، والجوع "كافر" لن تساعده قواه الخائرة على الكفر بكرسي بشار ونظامه، وربما يجد في جاره فريسة لا تتطلب الكثير من الجهد.
أما التاجر، الذي استطاع اللعب بالبيضة والحجر طيلة السنوات الماضية وتمكن من البقاء على "قيد المتاجرة" رغم ما في المشهد من محن، فلن تخونه حساباته، ولا ضير من بعض الخسائر، هذا إن لم يعدم الحيلة في البحث عن أبواب للربح ضمن هذه الأزمة.
منذ سنين، والسوريون خارج دائرة الفعل، وأي قرار يخص سوريا ما عاد بحاجة توقيعهم، أو ربما لم يعد على قدر كبير من الأهمية، إلا أن كل هذا لا يلغي ضرورة الدعوة للمزيد من التكافل المجتمعي فهذه الأرض التي عاثت الوحوش بها فسادا لن تعدم الخير بين أهلها، فإن كان لا حول لهم ولا قوة في إنهاء هذه الأزمة، فإن فيهم أيضا من الخير الذي قد يخفف من آلامها.
تعليقات حول الموضوع
لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية