أدخل كلمات البحث واضغط على إدخال.

الجوع كافر..‏. حسين الزعبي*

أرشيف

باتت الليرة شغل السوريين الشاغل سواء أكانوا من المحكومين بالتعامل بها في الداخل، أو من أولئك الذين في الشتات ‏ممن يتعاطون باليورو والدولار أو حتى الليرة التركية، وأصبح الحديث عن الليرة بعد اقترابها من الانهيار يتأرجح بين ‏حديث مؤمل بأن يؤدي التراجع الحاد بسعر صرفها إلى إنجاز ما لم ينجزه العسكر والساسة من إسقاط للنظام من خلال ‏التبشير بثورة جياع، وبين من يرى استحالة هذا الامر فمن لم تحركه "كرامته لن يحركه جوعه"، ليتبعه آخر بالتأكيد ‏على أن هذا النظام لا يمكن أن تزيحه أزمة الليرة أو أي أزمة اقتصادية أخرى حتى لو مات الشعب السوري، كل ‏الشعب السوري جوعا فهو ،أي النظام، بحاجة لقوة خارجية تقتلعه اقتلاعا..‏


في حديثهم عن الليرة ذهب آخرون إلى الشماتة المعلنة بمن هم في الداخل، مع شرح بسيط، بأنهم يقصدون الموالين ‏للنظام وأحيانا الذين سكتوا عن جرائم النظام، متمنين لهم المزيد من "الجوع والطاعون والوباء" مع ضرورة ختم ‏منشوراتهم بكلمة "منتصرون".. مشهد مؤلم فرضه النظام قبل غيره من القوى الإقليمية على السوريين وحول الكثير ‏منهم إلى وحوش يفترس بعضها بعضا، فالقاتل يزعم الوطنية السورية والمقتول كان كذلك، بل ونجح في جعل ممن هم ‏على ضفة واحدة، أيضا وحوشا ينهش بعضها بعضا. ‏


السوريون وفي مقاربتهم لأزمة اقتصادية، مازالت في بدايتها، ومن شأن تبعاتها إن تفاقمت ألا تكون أقل سوءًا مما جاءت ‏عليه آلة الحرب المستمرة، في مقاربتهم الأولية، مؤشرات إلى أن سلوكيات لا تقل وحشية عن آلة النظام الحربية ولا تقل ‏سوادا عن ظلامية الجماعات "الإسلاموية" ستفرزها الايام المقبلة، وسيكون ضحاياها من هم في الداخل بكل انتماءاتهم، ‏وربما لن تستطيع بقايا مفاهيم التكافل المجتمعي أن تصمد بوجهها، فالجائع، والجوع "كافر" لن تساعده قواه الخائرة على ‏الكفر بكرسي بشار ونظامه، وربما يجد في جاره فريسة لا تتطلب الكثير من الجهد.‏


أما التاجر، الذي استطاع اللعب بالبيضة والحجر طيلة السنوات الماضية وتمكن من البقاء على "قيد المتاجرة" رغم ما ‏في المشهد من محن، فلن تخونه حساباته، ولا ضير من بعض الخسائر، هذا إن لم يعدم الحيلة في البحث عن أبواب ‏للربح ضمن هذه الأزمة.‏


منذ سنين، والسوريون خارج دائرة الفعل، وأي قرار يخص سوريا ما عاد بحاجة توقيعهم، أو ربما لم يعد على قدر كبير ‏من الأهمية، إلا أن كل هذا لا يلغي ضرورة الدعوة للمزيد من التكافل المجتمعي فهذه الأرض التي عاثت الوحوش بها ‏فسادا لن تعدم الخير بين أهلها، فإن كان لا حول لهم ولا قوة في إنهاء هذه الأزمة، فإن فيهم أيضا من الخير الذي قد ‏يخفف من آلامها. ‏

*من كتاب "زمان الوصل"
(190)    هل أعجبتك المقالة (206)
التعليقات (0)

تعليقات حول الموضوع

لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية
*يستخدم لمنع الارسال الآلي