انتهت الجولة الثانية لمباحثات الدستورية في جنيف، دون أي اجتماع، بين الفريقين، فيما لم تتضح لغايته إن كانت الجولة القادمة، ستقام في موعدها المحدد، أم يعلن تؤول للتأجيل، أم يعلن موت الدستورية على أبواب آستانة المعلنة، وبحضور تصريحات الموقف الروسي، قبيل بدء أعمال الجولة الثانية، وبعدها، وهو ما شجع ميسر المفاوضات المبعوث الدولي "غير بيدرسون"، على التزام الصمت، دون أي إشارة صريحة بمن يتحمل تعطيل الجولة طيلة أيامها الخمسة الماضية.
تشير معلومات "زمان الوصل" إلى أن "بيدرسون" التقى وفد المجتمع المدني في اليوم الأخير وعلى أعتاب فشلها الواضح، لمح الموفد الأممي، أنه "سيتوجه إلى الدول المؤثرة، روسيا وايران وتركيا، وصولا لدمشق".
وخلال مؤتمره الصحفي قال مبعوث الأمم المتحدة الخاص إلى سوريا "غير بيدرسن"، الجمعة، إن الجولة الثانية من المحادثات السورية التي استمرت أسبوعا فشلت، وانتهت دون اجتماع مجموعة التفاوض المكونة من 45 شخصاً (معارضة ونظام ومجتمع مدني).
وقال، في تصريح مقتضب للصحفيين، إن رئيسي وفدي النظام والمعارضة لم يتفقا على جدول أعمال لمحادثات الدستور.
وكشف "بيدرسن" أنه واظب على "إجراء عدة اجتماعات مع الأطراف خلال أيام المشاورات في محاولة للتوصل لإجماع (حول الأجندة)، لكن ذلك لم يحصل"، معربا عن أمله في "تذليل العقبات تحضيرا لانعقاد الجولة المقبلة".
إذا جاز لي الرأي الشخصي خارج سياق المتابعة اليومية، فقد سجلت قبولا بدور الميسر الأممي، لكن ثمة ملاحظات، وإن بدت متسرعة، لكنها محقة لجنيف أو غيرها، فمن الواضح أن ثمة تقييدا لصلاحيات ودور الموفد ولا يجوز أن تقتصر وظيفته على" التيسير" ويذهب البعض إلى أن مفهوم التيسير بمثل النزاعات يشمل دائرة من الصلاحيات أوسع، ولا يكتفى عادة بسماع أقوال الأطراف لإضفاء الطابع السوري - السوري على العملية، بل إن الحاجة ملحة لدور وظيفي يقترب من التقاضي ولا ينطق بالحكم، وإنما يمكن إحالته لمجلس الأمن بما عرف بالإحاطة.
ويلفت أصحاب الرأي بهذا السياق: "إننا أمام عملية تفاوضية قد لا تنتهي بمدد زمنية، وإذا كان المجتمع الدولي جادا بتعاطيه لإنهاء الوضع السوري ووضعه على السكة الصحيحة، فعليه التوافق، حول محاور دور بيدرسون وبالتالي محاسبة،والضغط على المعطل".
*وفد المعارضة متمسك ببوابة السلام
حتى آخر أيام الجولة، داوم وفد المعارضة على الحضور إلى قصر المؤتمرات، في محاولة لتأكيد خياره، أنه ساع لسلام لجميع السوريين، سواء المهجر أو في الداخل السوري، ورغم ضراوة التحديات، لكن ثمة فريق اعتبر أن رسالته يجب أن تصل، وأن لا خيارات اضافية أمام قضية السوريين، سوى عبور بوابة السلام.
واعتبر الرئيس المشترك للجنة الدستورية في وفد المعارضة :"نضع ما حصل خلال هذه الدورة في الإطار الإيجابي على الرغم من عدم انعقاد أي جلسة مشتركة بين الوفود المشاركة".
موضحا "إن هناك درسا من هذه الجولة وهو أهمية الالتزام بالقواعد الإجرائية والتوصل إلى جدول أعمال قبل انعقاد الجولة القادمة".
وشدد "البحرة": "على استمرار العمل وضرورة انعقاد الجولة القادمة وفق أسس واضحة تنطلق من جدول أعمال حقيقي، ويتناول بوضوح مجال تفويض اللجنة الدستورية ومهمتها الرئيسية في صياغة نصوص لدستور سوريا المستقبل".
لافتا إلى أن "أعضاء اللجنة أمام مهمة أساسية وهذه المهمة مفتاح للعملية السياسية ومفتاح لإيجاد حل يؤدي إلى تنفيذ قرار مجلس الأمن 2254 كاملاً والتي شكلت اللجنة الدستورية في إطاره".
*إعلام للدستورية أم ضدها
في الانطباعات التي سجلتها، هنا وهناك، بدا لي واضحا أن وفد الأسد يستند على منظومته السياسية، الصلبة، سواء المحلية منها أو الدولية، وعدم احترامها لأية مواقف للشارع السوري، وهو ما عزز موقف وفد الأسد، حتى وإن كان باطلا، فالعرف يقول "السلاح بأيد الولد بيجرح".
على عكسه بدت لي المعارضة، مستندة لمأساة قضيتها السورية، ومعتقليها ودمار مدنها، فيما سبق وأن اختبرت مواقف متبدلة لحلفائها الإقليميين والدوليين، ويهاجمها بعضا من شارعها، وقد ضاق صبره، فتذرف جهدها على عدة جبهات، وهو ما يربك أي مفاوض، إضافة لرغبتها في تحويل المفاوضات والمؤتمرات بين المعارضة والنظام لمعادلة أوسع بين الشعب السوري كله وآل الأسد، وهذا يخسّرها أحيانا جزءا من شارعها المعارض، لرغبته في استئثار النطق بأوجاعه المحقة".
وبالقدر الذي استنفذ وفد المعارضة، لتطمين شارعه، لم ألحظ أي بث مباشر لأعضاء الأسد يطمئنون شارعهم حتى على إصرارهم على "المرتكزات الوطنية".
وهذه فرصة للدفاع عن الصحافة التي تماهت بالرؤية مع وفد المعارضة، فكانت جزءا من الاستنزاف، وبين شك ويقين تكاد دائرة الاستهداف أن تنسف بمن تبقى، فظهررئيس اللجنة الدستورية "هادي البحرة" في مؤتمره الصحفي، وحيدا إلا من أقنية النظام الأسدي- "سانا والإخبارية والميادين والوطن والتلفزيون السوري".
حاولت سؤال بعض من الدستورية، لم الاستمرار طالما أن الشارع رافض، ولا جدية دولية، تجاه منظومة، الأسد؟.
تقاربت الإجابات:"لا خيارات بغياب العملية السياسية، إلا المجهول، ويتذكر الجميع موقف لجنة التفاوض وتعليقها العمل إلا بشرط الإفراج على المعتقلين خلال مفاوضات جنيف 2014، واستمر التعطيل سنة ونصف، وأنتج خسائر ميدانية ومدن، والموقف السياسي الدولي، فالأسد ووراءه روسيا اقنعوا الجميع، أن لا شريك سياسي لهم، فهل نعيد ذات التجربة بطعمها العلقم".
صوت عال قال لي جراء تكرار اسئلتي، التي نقلتها عن غرف الواتس، ووسائل التواصل الاجتماعي: "ليتفق أبناء كل مدينة على ممثليهم، ومطالبهم وطريقة أدائهم، ونحن سنسعى لتقديمهم في المحافل الدولية، كبديل عنا، وحين يتم ذلك، طلب مني الكشف عن هويته، بما يشي أن ثمة ضغط غير مسبوق للشارع".
هل ثمة خيارات بديلة إذا فشلت الدستورية؟ هل تتحملون مسؤولية محاسبتكم؟
"ليس لدينا خيارات سوى المسار السياسي، أي خروج عنه يعني انتحارا جماعيا، والكل يعرف الوضع الدولي لا يحتمل مغامرات جديدة، غير محسوبة، وأما حسابنا فنحن نوافق على ضوء مهمتنا، وصعوبتها، والأصل أنها تنتهي بتحقيقها بموجب التكليف بها".
أكاد أرفع هويتي، الصحفية، معلنا استقالتي عن الدستورية، ومتابعتها، لولا أنها موضة احترقت، فما أصعب مهمة الالتباس عند الصحفي، وتأسره علاقته مع جمهوره كعلاقة جمهور الرياضة مع "هدافها"، فيما تبرز متاعب علاقة الصحفي بالسياسي، فهو يريده مستشاره الإعلامي الخاص حينا، وصوته الإعلامي مرة، وناشرا مرات، ومقاتل إعلامي لأجل ثورة، وفي كل حالة ثمة قراءة مغايرة له، وتحكم الصحفي بحثه عن منتج لجمهور عرفه، وفهم كنهه، وتحولاته، وسرعة مروره على جهده، واحيانا استياءه، واستهداف منتجه، إن لم يتوافق مع قراءته سيما في الحالة السورية "المتشظية".
محمد العويد - جنيف - زمان الوصل
تعليقات حول الموضوع
لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية