أدخل كلمات البحث واضغط على إدخال.

سيناريوهات انهيار الاقتصاد ..والأسد... عدنان عبد الرزاق*

من الخطأ السؤال، هل الاقتصاد السوري سينهار، لأنه واقعياً منهار


قلما أو نادراً، أن يسقط أو سقط ديكتاتور من بوابة الاقتصاد، بل في الغالب، يغتنم المستبدون مراحل إفقار الشعب وتهاوي الاقتصاد وتراجع مستوى المعيشة وسعر صرف العملة، في صالحهم ومصالحهم.

فيزيدون من العزف على أوتار المؤامرات الخارجية وتحميل وزر ما تعانيه الشعوب، للاستهداف الذي يراد منه ثني الشعوب وقائدهم، عن مشاريعهم الوطنية وأحلامهم العريضة وإعاقة وصولهم للبحبوحة والرخاء التي وعد بها القائد، لكن العدو رأى بتحقيقها خطراً عليه، فسارع لقتلها وعرقلة تحقيقها.

أو، يسعى المستبدون حتى للاستفادة من جوع شعوبهم التي أوصلوهم إليها، فيتاجرون حتى بغذاء ودواء الناس، ليزيد تجار الأزمات التي عادة ما يقودها القادة، من أموالهم التي بالغالب، توطن خارج الحدود، لأن الزعماء أول من لا يثق باقتصاد وعملة بلادهم.

ولكن، هل هذا الكلام مطلقاً ومنزلاً؟!

بمعنى، هل يمكن للأنظمة المستبدة أن تصمد بوجه الحصار الاقتصادي وتستمر باغتنامه لمصالحها وزيادة السيطرة على الشعوب، أم ثمة حدود، من الفقر والجوع وحتى الصبر، إن وصلت إليها الشعوب أو تعدتها، فهي منفجرة لا محالة، وأياً كانت دروس القمع وتجارب البطش التي رأوها بمن سبقهم للاحتجاج.

قبل محاولة الإجابة، ربما من الضرورة أن نسأل، هل وصل الاقتصاد السوري لحافة الانهيار، ليكون خروج الشعب عن قاعدة "تدجن ورضخ ولن ينفجر" ممكنة أو قابلة للبحث والتوقع.

بالعام ودونما تفاصيل، ثمة أسباب متفق عليها عالمياً، تدلل على انهيار الاقتصاد، إذ النظر أو القياس على مؤشر أو أكثر، واعتبار الاقتصاد منهارا وفق مؤشراته، فيه من التضليل والرغبوية، أكثر ما فيه من العملية والمنطق.

ومن هاتيك المتفق حولها، ربما يأتي الناتج المحلي الإجمالي بمقدمتها، لأنه يعبر فيما يعبر، عن حجم الاقتصاد والنمو ويدلل على حجم الصادرات وبالتالي حجم القطع الأجنبي الذي يضخ بالسوق، ويعطي فكرة عن قيمة السلع والخدمات، وبالنسبة لسورية، تراجع الناتج المحلي من نحو 60 مليار دولار عام 2011 إلى أقل من 10 مليار هذا العام.

ليأتي التضخم النقدي بالمرتبة الثانية، لأن تراجع القيمة الشرائية للعملة، خاصة لحالة كما السوريين، أي مع تثبيت الدخل، إنما يزيد من حالة الفقر التي وصلت لنحو 85% كما أن التضخم النقدي يزيد من تكاليف الإنتاج فيقلل القدرة التنافسية للسلع خارجاً، بمعنى تراجع الصادرات، ما يؤثر بالمختصر، على نمو الاقتصاد ومعيشة الشعب.

وأما ما تصنف بآفة الاقتصاد، فهي البطالة، ويراها كثيرون من النقاد، بالمرض الأخطر على الاقتصاد، وذلك لما لها من آثار اجتماعية تضاف إلى الاقتصادية المتمثلة بتراجع التحصيل الضريبي للدولة وتراجع الاستثمار والاستهلاك وتؤدي للركود الاقتصادي، فالبطالة تدفع، أو تجبر العاطلين على الخطيئة والفساد، وبسوريا كما يعرف المتابعين، تعدت البطالة

نسبة 75% من الشعب، هذا إن لم نزج بالبطالة المقنعة ضمن النسبة.

ويمكن إدراج عجز الميزانية، كسبب مهم بانهيار الاقتصاد، حتى وإن كانت الميزانيات دعائية وترويجية على الورق، كما يقر نظام الأسد منذ عام 2012 حتى العام المقبل، وعجز الميزانية بسورية للعام المقبل، ووفق معاون هيئة التخطيط، تبلغ 1400 مليار ليرة، وهي الفارق بين الإيرادات والنفقات.

وربما السؤال الأهم، من أين يأتي نظام مفلس بدد كامل الاحتياطي النقدي الأجنبي المقدر بنحو 20 مليار دولار عام 2011، بأموال ليسد هذا العجز الهائل، إذ لم يعد يجد من يمنحه الديون وخطوط الائتمان، حتى لو استمر برهن وبيع مقدرات سوريا والسوريين.

الديون الخارجية، أيضاً من مؤشرات انهيار الاقتصاد، خاصة إن كانت من جهات أو دول، تفرض تغييراً سياسياً واجتماعياً خلال تقديم الديون، أو تقايض وترتهن ثروات البلاد، كما يفعل الروس والإيرانيون التي تزيد ديونهم على حكومة الأسد بحسب مصادر، عن عشرات مليارات الدولارات.

وثمة مؤشرات أخرى، ربما يتم إهمالها بحالة كما السورية، منها مؤشرات أسواق المال والتصنيف الائتماني وحجم الاستثمارات وثقة المستثمرين.

وربما يضاف ضمن "الخصوصية السورية" وجود محتلين على الأرض وسيطرتهم على الثروات، الحصار الاقتصادي المفروض منذ سنوات والمتشدد خلال السنتين الأخيرتين، وأيضاً وهو السبب المباشر اليوم، شبه انهيار العملة السورية التي تعدت أمام الدولار الواحد، 820 ليرة.

نهاية القول: ربما من الخطأ السؤال، هل الاقتصاد السوري سينهار، لأنه واقعياً منهار فعلاً ووفق جميع المؤشرات السابقة، وما بقائه بحدود الإنتاج والسير البطيء واستمرار العملة على قيد التداول، إلا لأسباب سياسية دولية، هي أشبه بقرار نهائي وحتمي "ممنوع الانهيار المطلق وسقوط النظام" الآن على الأقل.

لنأتي إلى السؤال الثاني، هل يمكن للنظام أن يسقط، إن استمر التدهور بسعر العملة وارتفاع نسب البطالة والفقر وتراجع الإنتاج والخدمات.

ربما من فداحة الخطأ، إطلاق أي حكم مطلق أو القياس على أي تجربة، فالأمور بسوريا مرهونة بعوامل خارجية أكثر منها ذاتية، اقتصادية كانت أو اجتماعية، بيد أن أغلب الظن يتجه نحو أمرين اثنين.

الأول، هل فعلاً هناك قرار دولي بعدم سقوط الأسد ولو تحول جميع السوريين إلى فقراء وفاسدين، وذلك القرار يتمحور حول مزيد من الإضعاف والحصار والتفقير، ليتم قبول النظام بحل سياسي سيتم فرضه لاحقاً، وقتما لا يملك الأسد ترف الخيار أو الرفض.

وأما الأمر الآخر، فيتعلق بمدى تحمل السوريين ذلك الجور والتفقير والإذلال، لأنهم، أياً كان القرار الدولي، فهم وحدهم بيضة قبان التغيير، ولنا بالعراق ولبنان أمثلة ساخنة، ومن غير المبرر القول عن فصل عصابات تلك الدول الحاكمة عن عصابة الأسد أو خصوصيته عنهم، فالجميع وفق مسيرة الأحداث والتاريخ، دور وظيفي محدد البداية والنهاية، وقلما يحتفظ الكبار بأي مستبد فقد صلاحيته وأنهى دوره، بل وبات يشكل عبئاً على حُماته ومناصريه..
وللحديث بقية

*من كتاب "زمان الوصل"
(248)    هل أعجبتك المقالة (259)

صلاح

2019-12-01

اعجبتني جملة هل هناك قرار دولي بعدم سقوط الاسد ؟!! وهل يشك الكاتب للحظة بان كل هذه الإبادة الجماعية أتت بالصدفة؟!! بدون ضوء اخضر من أعضاء مجلس الأمن اميريكا وروسيا والصين !!! يللعجب؟!!.


التعليقات (1)

تعليقات حول الموضوع

لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية
*يستخدم لمنع الارسال الآلي