فتيات بعمر الورود، وسيدات مثل الورود فقدوا حياتهم، أو أصابتهم عاهات دائمة بسبب العنف ضدهن، والدافع دائماً موجود، ومبرر، الشرف.
كنت أعتقد سابقاً بأن ما سمي بجرائم الشرف حكراً على منطقتنا الجنوبية في سوريا التي تعتبر قتل النساء لمجرد الشك بسلوكهن فخراً لعائلاتهن وغسلاً للعار.
لكن مع الزمن وعندما بدأت بالعمل التطوعي في الدفاع عن حقوق الإنسان، وجدت أن الحالة مستفحلة في كل سوريا وكامل منطقتنا العربية، التي يسود فيها المجتمع الذكوري ويعتبر العار والشرف لا يرتبط إلا بالنساء، لأكتشف لاحقاً أن النساء يقتلن في بعض المناطق الريفية بذريعة الشرف، للاستفادة من العقوبة المخففة، وبهدف الحصول على ميراثهن لا أكثر.
بمنطق العقد الاجتماعي، القضاء هو يد العدالة، والعدالة تحمي المجتمع من الظلم، والقانون هو حامي المجتمع وهو الرادع، وهو سيف الحق على رقاب الظالمين.
إلا فيما يخص النساء.. فالقانون ذاته، سيف الحق، يتضمن مواد تمييزية تجاه النساء في القانون السوري، ويخضع هذا النوع من الجرائم لمواد من قانون العقوبات التي تدعم هذه الجرائم بحمايتها للقاتل وهي (المادة 192) التي نصت على تخفيف العقوبة إذا ما كان الدافع للقتل شريفاً! دون أن تحدد ما هو هذا الدافع الشريف، تاركة الأمر بالمطلق لتقدير المحاكم، وبهذا يمكن للجاني الإفلات من العقاب، بكل سهولة ويسر... واعتاد القضاء في سوريا على تطبيق مفعول الدافع الشريف في جرائم قتل النساء بحجة الدفاع عن الشرف، وتضّمن قانون العقوبات السوري أيضاً (المادة 548) والتي عدلت بالمرسوم 37 الصادر عام 2009، حيث حدد التعديل العقوبة من ست شهور إلى سنتين بعد أن كانت تعفي القاتل من أي عقاب، ولا تدخل العقوبة ضمن صحيفة الجاني القضائية.
والملفت الخطير في القضية هو التبرير المجتمعي للجريمة، والسكوت عنها، بذريعة العادات والتقاليد، ذات العادات التي تبيح للذكر الشرقي كل الموبقات دون أي عار أو رادع، وتجد له ألف عذرٍ وعذر، وتجلد المرأة بلا داعٍ وبنفس الذريعة.
هل يحق للرجل، كل ما هو ممنوع على النساء؟
هذا السؤال الذي كل ما طرحناه، جوبهنا بسيل من الاتهامات بحجة أننا ندعوا لفلتان المجتمع... وحماية الرذيلة .... وأي رذيلة بطلب العدالة؟
منذ أقل من شهر اقتلع رجل عين زوجته في الأردن بحجة تأخرها بإعداد الطعام وما كان من المرأة سوى أن تطلب منه أن يبقي لها عينها الأخرى كي ترى أولادها.
في محافظة السويداء قتل رجل ابنته ذات السبعة عشر ربيعاً بسبب تأخرها بالعودة إلى المنزل عن موعد انتهاء المدرسة بساعة ونصف، بتحريض من أقربائها، بداعي الشرف، ليثبت الطب الشرعي فيما بعد عذريتها.
أرملة وأم لثلاثة أطفال، تعمل في البيوت لتعيل أيتامها، تقتل على يد أخيها بحجة الشرف، وترمى جثتها في حاوية القمامة..والسبب الحقيقي هو طمع أخيها بميراثها من أبيهم الذي ما يزال على قيد الحياة.
ولم تنتهِ بعد قضية الضحية الفلسطينية "إسراء غريب"، التي قتلت على يد إخوتها وصهرها بسبب صورة.
تقتل النساء وتشوه في بلادنا لأتفه الأسباب، فما زال مجتمعنا العربي قائما على مفهوم -العيب - الذي ينحصر في الشرف (بمفهومه الضيق، وبما يخص النساء فقط).
ما نحتاجه اليوم ليس يوماً لنشجب فيه العنف ضد النساء، أو نستنكر قتلهن، ولا يوم نحتفل فيه بعيد للمرأة، في ظل قوانين جائرة ومجتمع ظالم..برأي يقع الظلم على النساء من القانون أولاً والمجتمع ثانياً، ومن الرجل في ذيل القائمة، فهو الآخر ضحية تربيته وبيئته، وتبرير أفعاله أسرياً ومجتمعياً مهما بلغ حجم إساءاته.
*من كتاب "زمان الوصل"
تعليقات حول الموضوع
لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية