أدخل كلمات البحث واضغط على إدخال.

تحرير نهر البارد .... مازن كم الماز

أخيرا جرى تحرير مخيم نهر البارد و أطلق الرصاص هذه المرة نحو السماء على سبيل الابتهاج..نحن معتادون على حالات تحرير مشابهة لتدمير مخيم نهر البارد في إطار صراع القوى التي لا تحفل بالشوارع و لا بالناس..نعرف كيف احتلت الكويت ثم تحررت و كيف حرر العراق أخيرا..منذ ثلاثينيات القرن الذي مضى و الأنظمة بكل تلاوينها تتحدث عن تحرير فلسطين لكن هذا التحرير يجري عادة في أماكن أخرى و إن كان يجري باسم تحرير فلسطين في معظم الأحيان..

جرى في الماضي في كثير من الحالات أيضا تحرير شوارع و أبنية المخيمات من "الفلسطينيين" كما في أيلول 1970 و سبعينيات و ثمانينيات القرن الماضي في لبنان..الاحتفال في أيلول 1982 في صبرا و شاتيلا كان فاحشا معمدا بلون الدم..بل إن حروب التحرير هذه أضحت جزءا أصيلا من الممارسة السياسية للأنظمة العربية "تقدمية" كانت أو "معتدلة" , كان ثمن ترويض الفلسطيني باهظا في أغلب الأحوال..

هذا الفلسطيني ككائن مسكون بالغضب كابن لنكباته التي لا تنتهي كهارب يجر روحه و جسده من مجزرة نحو أخرى كان هذا الفلسطيني منبع تمرد دائم لا يعرف المساومة مع الواقع..رغم أن حروبا داخلية محدودة أو كبيرة قد خاضتها الأنظمة ضد مواطنيها بالذات و بهمجية لافتة عند الضرورة لكن تدجين الفلسطيني اتخذ عادة طابعا عنفيا متطرفا..

كان للفلسطيني الثائر سحره خاصة عند الشعوب المستضيفة , فللمقهور المتمرد على قدره سحر لا يقاوم..هذا بالتحديد ما جعل ثورة هذا الفلسطيني تحمل ليس فقط حلم العودة و رغبة الثأر عنده بل حتى أحلام التغيير حيث حل , هكذا أصبح هذا الفلسطيني الذي شكل مشروع مقاومة في كل مكان بدأ أيضا يصبح مشروع سلطة بديلة هز العديد من العروش في شرقنا..لقد حوله هذا الالتفاف الشعبي غير المسبوق إلى حالة سلطة فعلية , و لأن لمشروع السلطة قانونيته الداخلية المختلفة لدرجة التناقض مع مشروع الثورة بدأ هذا التناقض يؤدي إلى تآكل الثورة من داخلها , كان هذا إلى جانب المجازر الإسرائيلية و عملية التدجين التي واصلتها الأنظمة تجاه الفلسطيني حيث وجد , هذا كله , سيؤدي في النهاية إلى هذه الحالة الراهنة من التدجين النسبي : فبدلا من وديع حداد سنجد محمد دحلان و خلافا لحياة و موت توفيق زياد و معين بسيسو على أرض الوطن الحبيبة أو في المنافي سيموت أميل حبيبي متفائلا على خلاف بدايته المتشائلة..

كان الرقص على حبال الأنظمة و أمريكا و الشعوب في نفس الوقت يصبح مستحيلا أكثر فأكثر و كان من الواجب الاختيار بين نموذج الثائر و نموذج المتعاون "المتفائل"..

كان الفلسطيني الثائر مصدر خطر داهم على هذا النظام العربي الرسمي و على أمريكا و إسرائيل و لذلك كان هذا التدجين التدريجي ضرورة لاستمرار النظام العربي الرسمي و لبقاء المشروع الصهيوني , كان الهدف هو إنتاج فلسطيني أليف فاقد للذاكرة مستعد للمساومة خانع للأمر الواقع..

على الرغم من ذلك بقي هناك ذلك الفلسطيني الذي لا يسمع الكلام هذا الكافر المهرطق الخارج على القانون بالنسبة للنظام السائد..كان المشهد الفلسطيني يساريا عندما كان اليسار هو العدو الأول و أصبح اليوم إسلاميا عندما أصبحت حرب أمريكا و النظام العربي الرسمي تخاض ضد الخطر الأصولي..

هذا الفلسطيني الذي يعاند النظام العالمي القديم كما الجديد و يعاند كل صنوف الأنظمة العربية و يحاول كتابة حقائقه الخاصة المتناقضة مع السائد..يقطع النظام الدولي و العربي اليوم الكهرباء و حليب الأطفال و المازوت لترويض غزة مثلا..على نفس الأرض التي حكم أبو عمار بين 75 و 1982 شطرها الغربي جاء شاكر العبسي حالما معه هذه المرة حلما بإقامة إمارة إسلامية..

لكن هذه الإمارة الإسلامية كانت موجودة بالفعل كما يفترض في رئاسة آل الحريري لأهل السنة و حتى للتركيبة السياسية و الاقتصادية و المالية في لبنان..

لهذا لم يكن أمام شاكر العبسي سوى أن يموت و لكن هذه المرة بدون الصخب الذي سببه سقوط كمال عدوان و غسان كنفاني و سواهم فالعالم بأسره و العالم العربي يشهد وحدانية خانقة لا تقبل حتى بالنحيب على ضحاياه بصوت مرتفع..

لقد تغير العالم بالفعل فبدلا من غيفارا هناك اليوم ابن لادن و بدلا من أبي حسن سلامة هناك شاكر العبسي و بدلا من محسن إبراهيم و جورج حاوي و حتى وليد جنبلاط أصبحت هيئة علماء فلسطين هي الحاضنة أو الوسيط مع المقاتلين لكن الثابت هو قدر ذلك الفلسطيني المتمرد الجديد كالقديم المحكوم بالموت في المنافي المحكوم بالهزيمة لأنه لم يتوصل بعد لمعادلة النصر لأن جيل الانتصارات لم يولد بعد

(124)    هل أعجبتك المقالة (152)
التعليقات (0)

تعليقات حول الموضوع

لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية
*يستخدم لمنع الارسال الآلي