لم تتلقَّ إيران منذ الحرب العراقية الإيرانية ضربات موجعة كما تتلقى الآن في العراق ولبنان، وهما الخاصرة الأهم لطهران في المشرق العربي، بينما مازالت تسجل النقاط في الخاصرة الأخرى، اليمن.
إلا أن هذه الضربات، ورغم إحداثها للألم، فإن لم تكن قاتلة لمشروع قم فإنها ستزيده قوة، وحتى الآن لا يبدو أنها قد وصلت إلى مرحلة الخطر، بل قد لا يكون طرحا متشائما بقدر ما هو واقعي، إن تم استبعاد حدوث ذلك في هذه المرحلة على الأقل، فإيران متغلغلة في مسامات العراق بكل مؤسساته وشرائحه الدينية والمجتمعية والسياسية ناهيك عن الأمنية والعسكرية، بالتالي فإن الانتفاضة الحالية هي مواجهة بين عين ومخارز كثيرة، وأي إنجاز للانتفاضة أكثر مما تم إنجازه، نفسيا على الأقل، من خلال التعبير عن رفض المشروع الإيراني في مكامن قوته "الوسط الشيعي" هو بمثابة نصر كبير، وإن حدث أكثر من ذلك، فسيكون ثمنها إحراق ما تبقى من العراق بشيعته وسنته وهو أمر ليس بالعسير على إيران.
أما لبنان فلا يبدو أن الغرب على استعداد بأن يسمح بتكرار مشهد الحرب الأهلية، وهو ما يلوح به حزب الله وحركة أمل، أو على الأقل تكرار نموذج "7 أيار" وهو ما بدأ أنصار الفصيلين الشيعيين بالمطالبة به، مطالبة بلا شك ليست عفوية بل هي رسالة منقولة من قيادة حزب الله إن لم تكن من قم للشارع اللبناني وربما للعالم، وبالتالي قد يكون اجتياح بيروت وفق "7 أيار" خيارا قائما وربما قريب إن ازداد الضغط الشعبي على الحزب، أما تبعاته فربما لا تتجاوز تسوية سقفها تغيير حكومي، أما ما هو أكثر من ذلك فإن حصل فربما سيسجل في خانة "المعجزات"، فالعالم وعلى رأسه ترامب وأوروبا ليس معنيا بضرب ما أفرزه اتفاق الطائف من محاصصة، لا تتحق المطالب الشعبية إلا بنسفها، كما أن هذا العالم الذي لم يهتز لمقتل مليون سوري وتشريد نصف الشعب، لايبدو أنه مهتم، حتى الآن على الأقل بإزالة، ما رسخه نظام الأسد الأب من قوة لحزب الله، قوة لا تجد فيها "إسرائيل" غضاضة مادامت بعيدة عن حدودها الشمالية، وإلا لما سمح له بأن يدخل ويقاتل على امتداد الجغرافية السورية.
المشهد البائس، في المشرق العربي، رغم محاولة تزيينه من قبل شباب العراق ولبنان، ما كان له أن يكون كذلك، لو أن بوصلة العرب لم تته عن سوريا، وتترك ثورتها فريسة ينهشها تضارب المصالح واختلافات الأجندة مرة وخشية مما سينتجه انتصارها مرات.. وإن كانت البوصلة قد تاهت فإن لعنة دماء الأبرياء لن تخطئ كل من ولغ في الدم السوري.
تعليقات حول الموضوع
لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية