"نبع السلام" واللجنة الدستورية، والأمر الواقع*

الكاتب: "نبع السلام" توقفت عند حدود رأس العين وتل أبيض

لايجوز أن نطمئن إلى ماجرى حتى الآن، فعملية "نبع السلام" توقفت عند حدود رأس العين وتل أبيض، ولاتبدو تركيا قادرةً على متابعتها، لأسباب كثيرة.


كما عاد النظام إلى الحدود الشمالية، وانسحبت قوات سوريا الديمقراطية من المنطقة المحددة، فيما يتم تسيير الدوريات الروسية-التركية بمعدل واحدة كل يومين، لسحب الذريعة من يد الأتراك، في ظل وقف لإطلاق النار يبدو أنه سوف يظلّ سارياً، رغم المعارك الطاحنة التي خاضها الجيش الوطني بالقرب من تل تمر، ضدّ وحدات النظام السوري وقوات سوريا الديمقراطية.


أما الأمريكان فرغم إعلانهم أنهم باقون لحراسة منابع النفط، إلا أنه لايمكن الوثوق بتصريحاتهم، فهم يمكن أن يرحلوا في أي لحظة، ويكرروا ما حصل في السابع من تشرين أول الفائت، علاوةً على أن حجتهم في البقاء غير مقنعة، ومخالفة للقانون الأمريكي نفسه.


وسط هذا المناخ تُهلل المعارضة لأوهام الضغوط الدولية الداعمة لحلٍ سياسي انطلاقاً من إنجاز الدستور، على وقع مفاوضات اللجنة الدستورية، في حين ما يزال هذا الجنين مجهول النسب.


وتتقصد موسكو في الفترة الأخيرة السماح لبعض المحسوبين عليها بنشر بعض المقالات والتحليلات، التي توحي بعدم رضاها عن بشار الأسد، أو أنها غير متمسكة فيه، وصل حدّ التبشير بسقوطه فيما لو جرت انتخابات ديمقراطية نزيهة، في محاولةٍ لخداع وفد المعارضة في اللجنة، وإيهامه بأن جهوده سوف تكون فاتحةً لانتقال سياسي ديمقراطي، الأمر الذي يراد منه دفعه للاستمرار في اللجنة، رغم المعارضة الشعبية الواسعة.


ومن ناحية أخرى تتسرب من أروقة وفد المعارضة مطالب لاتوحي بأنه يمثل ثورة قدمت حتى الآن مايربو على مليون شهيد.


مطالب كان الأجدى بوفد النّظام تقديمها، بدلاً من وفد المعارضة، كمطلب نقل مقرّ المفاوضات من جنيف إلى دمشق، وعدم اعتبار الفقه الإسلامي مصدراً من مصادر التشريع، والمساواة بين الرجل والمرأة في الميراث والطلاق، وأن تكون سوريا دولةٌ اتحادية، في مخالفة واضحة لكل ما بُني عليه الائتلاف من ثوابت، وما سبق أن قدمته الهيئة العليا للمفاوضات من رؤية سياسية للحلّ، و تهميش متعمد لإرادة مكوناتٍ سورية كثيرة، ربما تتفق أو تختلف حول مجمل هذه المطالب أو بعضها.


وفي حين تراوح كل الملفات مكانها منذ سنوات، يتقدم الآن مساران فقط على الساحة السورية.


الأول هو مسار كتابة الدستور، والذي يبدو واضحاً من ملامحه الأولى أنه سوف يكون نسخةً طبق الأصل عن الدستور الذي سبق أن أعدّه الرّوس لسورية، والثاني هو مسار المفاوضات بين النظام وقوات سوريا الديمقراطية "قسد"، أو بدقةٍ أكثر قوات الحماية الشعبية الكردية YPG وحزب الاتحاد الديمقراطي PYD، أو بديله المسمى حزب سورية المستقبل، الذي أسسه PKK في آذار 2018 احتياطاً لما يستجد، ونقل الكثير من كوادره المتقدمة إلى صفوفه.


سوف يتقدم المساران بالتوازي مع بعضهما البعض، غير أن مسار الدستور سوف يتقدم خطوةً على المسار الثاني، الأمر الذي يتيح للطرفين المتفاوضين (النظام وقسد) ترتيب تفاوضهما بما يتناسب مع الدستور الجديد، وبشكلٍ تأتي فيه مكافأة النظام للحزب على جهوده خلال 8 سنوات، والتي سوف نسميها نحن حينها تنازلات- وكأنها نتاجٌ لماجاء في الدستور المتفق عليه، بناء على مقترحات وفد المعارضة، وليس وفد النظام، وهنا سوف تنتهي مهمة اللجنة الدستورية، أو هذا هو المراد من إنجازها.


الفارق في الأمر أن وفد المعارضة سيأخذ دور الشماعة التي سوف تُعلق عليها كل الموبقات.


سوف يتبرع أعضاء من الوفد بتقديم مطالب النظام باسم المعارضة، فالهيئة العليا للمفاوضات منذ تهجينها بمنصتي القاهرة وموسكو لم تعد كتلةً واحدة تمثل الثورة، و كذلك وليدها وفد اللجنة الدستورية الذي يضمر تشتتاً يبدو أنه سوف يكون مذهلاً، الأمر ليس تنجيماً ولا قراءة فنجان، بل هو ما تسير عليه الأمور.


لقد تمكنت تركيا حتى الآن من منع قيام كيان انفصالي يقوده حزب العمال الكردستاني على حدودها الجنوبية يمتدّ من المالكية إلى عفرين، عبر 3 عمليات بدأت بدرع الفرات وانتهت بنبع السلام، مروراً بغصن الزيتون، غير أنها لم تُنه ذلك الكيان في الجزيرة السورية، إذ طالما كانت الجزيرة السورية، محط شدٍ وجذب بين الكتلة الوطنية وتركيا وسلطات الانتداب الفرنسي وعملائها، وطالما كانت الجزيرة محط أنظار مشاريع انفصالية بخلفيات متعددة.


ربما لايحصل حزب العمال الكردستاني على الفدرالية في الجزيرة، غير أنه قد يحصل على الإدارة الذاتية الديمقراطية وفق رؤيته التي تصل حدّ الحكم الذاتي، الذي فرضه كأمر واقع.


إنهاء العلاقة مع حزب العمال الكردستاني PKK والبدء بمفاوضات مع دمشق حول الحكم الذاتي، تلك كانت توصيات مجموعة الأزمات الدولية في تقريرها نهاية تموز الماضي.


فبقاء القوات الأمريكية يوفر حماية لـ"قسد" بعد أن تمت معالجة الهواجس التركية، فيما تقوم موسكو بمساعدة وحدات حماية الشعب ودمشق على التوصل إلى اتفاق حول الإدماج التدريجي للشمال الشرقي في الدولة السورية على أساس حكم لامركزي.


الشمال الشرقي فقط، وليس الشمال والشمال الشرقي، أي أن الجزيرة السورية هي بيت القصيد فيما تبقى من الخطة.


ويمكن فهم ذلك أيضاً في حديث بشار الأسد للإعلام المحلي في آخر تشرين أول، عندما تكلم عن كيفية عودة السلطة إلى الشمال قائلاً " نحن لا نعيد السلطة كما كانت سابقاً بشكل مباشر، هناك حقائق على الأرض، بحاجة لمعالجة تأخذ زمناً، هناك حقائق شعبية استجدت خلال غياب الدولة"، وفي حين لا يبدو أي تفسير آخر لحديثه عن "الحقائق الشعبية" مقبولاً، فإن ماورد في توصيات مجموعة الأزمات الدولية قادرٌ على تفسيرها.


وسبق لوزير خارجيته وليد المعلم أن صرح في أيلول 2017 بأنَّ إقامة نظام إدارة ذاتيّة للأكراد في سوريا " أمرٌ قابل للتفاوض والحوار".


وفيما عدا ذلك فلن تتمكن اللجنة الدستورية من الحصول على أي تنازل من وفد النظام، وحتى إن جرى وحصلت فإن بشار الأسد مستعدّ لضرب كلّ مخرجاتها عرض الحائط، وقد صرّح بذلك في حديثه عن الانتخابات التي سوف تجري تحت إشراف نظامه.

إن كتابة أي دستور وسط غياب أي ضمانات لتنفيذه، لاتعني أكثر من أننا نضيع الوقت في صياغة مواد سوف توضع في الأدراج، فضلاً عن أننا سوف نساهم في إعادة شرعنة النظام.


إن النظام الذي لم يحترم دستورين صاغهما من تلقاء نفسه، غير جدير بائتمانه على دستور جديدٍ تتم صياغته بالاشتراك مع معارضة لايعترف بها، بل ويتهمها بالعمالة والإرهاب.

*المقدم عبدالله النجار - مساهمة لـ"زمان الوصل"
(180)    هل أعجبتك المقالة (187)
التعليقات (0)

تعليقات حول الموضوع

لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية
*يستخدم لمنع الارسال الآلي