اختتم الملتقى الدولي الثاني للتصوير الزيتي، الذي تنظمه مديرية الفنون الجميلة بوزارة الثقافة السورية،فعالياته أخر هذا الأسبوع
وكان أكثر من 20 فنانا عربيا وأجنبيا قد نصبوا مراسمهم في حديقة قلعة دمشق، تلك القلعة التاريخية العريقة، التي استطاعت أن تلقي بظلالها على أعمال الفنانين المشاركين من الأردن والكويت ومصر والجزائر وفنلندا والسعودية وفلسطين وفرنسا والعراق وروسيا، إضافة إلى سوريا.
الفنان التشكيلي السوري أحمد إبراهيم، يشارك للمرة الثانية في الملتقى، وهو يعتبر أن الملتقى ضروري لكل فنان في العالم، لاكتساب الخبرة وتبادل الآراء والخبرات والمدارس الفنية، مضيفا: «اكتسبنا الخبرة وتعرفنا على المدارس العربية، الفنان لا يستطيع تقديم نفسه إلا من خلال الآخرين خاصة الفنانين».
ورسم إبراهيم خلال أيام الملتقى الستة لوحتين واقعيتين، تناول فيهما قلعة دمشق والبادية السورية، لكنهما تختلفان عن المدارس الحديثة، حيث الواقعية تحتاج إلى أسس معينة لا تحيد عنها، أما التجريد فهو مبسط وسريع كما يقول إبراهيم.
ويضيف إبراهيم في تصريحه لـ (العرب): إنها مشاركة ممتعة، استفدنا من المكان والقلعة التاريخية، نحن بحاجة إلى هذه التجمعات الثقافية، متمنيا من بقية الدول العربية أن تحذو حذو سوريا وتقيم الملتقيات للأدباء والفنانين العرب، وتطلع على الفن العربي بعد أن اطلعت على الفن الغربي، لتصبح هذه الملتقيات تقليدا سنويا كما في أوروبا.
ويتمنى إبراهيم أن يقام الملتقى في بقية المحافظات السورية، «فسوريا بلد جميل لا بد من أن نرسم ونؤرشف طبيعته وحضارته، ولنا الفخر أن المستوى السوري بات من المستويات الراقية في العالم العربي».
وعلى هامش الملتقى نظمت مديرية الفنون الجميلة رحلة سياحية للفنانين المشاركين، إلى صيدنايا قرب دمشق ومناطق سياحية أخرى، إضافة إلى حوارات ونقاشات وندوات، شارك فيها فريدة رحماني من الجزائر، والفنان المغربي عبدالحق أفندي وآخرون.
محمد العامري فنان وناقد تشكيلي من الأردن، شارك بعملين تجريديين، فهو يعمل منذ خمس سنوات على مشروع الملاحظة البصرية، وإعادة الاعتبار للتجريد الموجود في الطبيعة حسب قوله. مضيفا أجريت بحوثا حول الألوان الموجودة في المضمون وحولتها إلى عمل تجريدي معاصر، يرتكز على الألوان في الطبيعة، «فهي دعوة لإعادة النظر في الحيز الذي نعيش فيه، لأن الناس ينظرون إلى شكل الجبل وليس إلى باطنه».
ويشارك العامري للمرة الثانية استكمالا للملتقى الأول، فهي رسالة مباشرة إلى المشاركين العرب والأوروبيين لما وصلت إليه اللوحة العربية عامة والسورية خاصة حسب تعبيره.
وعن أهمية الملتقى بالنسبة للفنانين العرب والأجانب قال العامري: استمرار الملتقى بدورته الثانية، يدل على جدية الثقافات وإفساح المجال للفنانين للتعرف على تقنياتهم وأساليبهم، وهذا لا يوجد في المعارض العادية، التي تعرض الأعمال المنجزة أصلا، «خلال أسبوع في دمشق التقينا مع طلاب الفنون الجميلة وفنانين آخرين لم يشاركوا في الملتقى أنتجت حوارات جانبية هامة، تحدثنا خلالها عن أمرين هما: حضور المرأة العربية ودورها في التشكيل العربي، وتنظيم وتبادل المعارض بين الدول العربية».
ولتطوير فكرة الملتقى اقترح العامري تأسيس موقع إلكتروني يضم قسما للفيديو وغاليري للصور الفوتوغرافية، وآخر لأعمال الملتقى الأول والثاني، وقسما يتضمن ما كتب عن الملتقى في الصحافة العربية، إضافة إلى اقتراحات وتعليقات الزوار.
وتطرق العامري وهو مدير مديرية المسرح والفنون والسينما في الأردن إلى الفن السوري معتبرا أن الحركة التشكيلية في سوريا ظلمت عبر تاريخ الفن العربي، ولم تأخذ حقها الطبيعي في الانتشار والعرض، لكنها منذ حوالي سبع سنوات بدأت تنتشر على الساحة من خلال المعارض الأوروبية، واستطاعت أعمال السوريين الدخول في المزادات العالمية بدبي وباريس والمغرب، والآن حضور الفن السوري قوي ومهم، تجاوز الكثير من الجغرافيات العربية التي تسوق على أساس أنها رائدة.
محسن الشعلان فنان تشكيلي ووكيل أول لوزارة الثقافة المصرية، شارك بخمس لوحات رمزية تعتمد على التشخيص وتحاكي قضايا الإنسان والعلاقات الاجتماعية بين الرجل والمرأة، استطاع المناخ المحيط أن يؤثر على لوحاته كما يقول، مضيفا أدخلت بعض أجزاء القلعة في اللوحات لتدلل على استمرارية الأجيال كامتداد للتاريخ، فنحن أمناء على الحاضر ونحافظ على ماضينا العريق.
وتناول الشعلان في لوحات أخرى مشاكل المرأة في المجتمعات العربية، بشكل لا يخلو من الرومانسية، فالمكان له تأثير حتى على لون «الجاكيت» المستقى من لون الحجر العتيق، «لكن التأثير ليس بالضرورة مباشرا، بل تلحظه في الألوان وتعبيرات الوجه التي تدل على عبق الماضي».
ويعتبر الشعلان وهو رئيس قطاع الفنون التشكيلية في مصر أن الملتقى منهج عصري وأسلوب لا بد من تنميته، لأنه يعطي انطباعا جيدا للعالم الخارجي، خاصة في ظل إلصاق تهم الإرهاب والعنف بالعرب، أردنا أن نقول من خلال الملتقى إننا دعاة فن وثقافة، نؤمن بالحوار والإنسان والرأي الآخر، سهل علينا أن نرسل اللوحة إلى بلاد العالم للمشاركة، لكن المهم وجود الفنان مع لوحته في هذه المعارض، لتصل الرسالة، «لا بد أن تنتبه الدول العربية إلى هذه الملتقيات، لأن الثقافة تصلح ما أفسدته السياسة».
ودعا الشعلان الدوحة لأن تقيم مثل هذه الملتقيات، واصفا إياها بأنها عاصمة فاعلة بين البلدان العربية وذات ثقل ثقافي هام، قائلا: عليها الاهتمام أكثر بزيادة جرعة الفن التشكيلي من خلال الملتقيات والمعارض الدورية، لتجمع الفنانين من كافة دول العالم، وتخلق حالة من التفاعل المؤثر والثقافة والندية مع الغرب، نحن أنداد للغرب بما نحمله من تاريخ عريق وبعد تاريخي.
الدكتور حيدر يازجي رئيس اتحاد الفنانين التشكيليين في سوريا، اعتبر أن الملتقى هام للاطلاع على تجارب البلد التي يأتي منها الفنان، تماما كما كان الشعراء يجتمعون بسوق عكاظ، إنها مواسم جميلة يتمخض عنها لوحات جميلة وخالدة، كخلود المنحوتات في شوارع وحدائق دمشق. وتمنى يازجي أن تنتقل هذه الملتقيات إلى دول عربية، خاصة تلك التي تكون عواصم للثقافة العربية، وعلى رأسها الدوحة عاصمة للثقافة العربية عام 2010.
وأوضح يازجي في حديثه لـ (العرب) أن أعمال الملتقى ممتازة، فيها نفس جميل، معتبرا أن أساليب الفنانين في الرسم ناتجة عن اللحظة التي يعيشون فيها، والتي استطاعت خلق حالة من التوحد الوجداني، لكن مع الحفاظ على خصوصية التجربة لكل فنان، «فاختيار قلعة دمشق هذه البقعة الخضراء ألقت بظلالها على أعمال الفنانين، رغم الحر الشديد، إضافة إلى أن الجولات السياحية والثقافية شكلت جانبا هاما تكامل مع العمل الإبداعي».
يشار إلى أن معرضا مشتركا أقيم للفنانين المشاركين في ملتقى التصوير الزيتي الذي استمر لستة أيام، عرض خلاله حوالي 42 لوحة في حديقة قلعة دمشق.
26 فناناً عربياً وأجنبياً يلونون قلعة دمشق
العرب - عمر عبد اللطيف
تعليقات حول الموضوع
لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية