قامت الحركات الاحتجاجية في لبنان، فشعر السوري بالارتياح ودعمها بكل ما أوتي من تعاطف ومحبة.
اندلعت الاحتجاجات في العراق فشعر السوري بالارتياح لضرب جبهة أخرى من جبهات ولاية الفقيه علّ وعسى تُكسر شوكته في سوريا.
وأخيراً تحرك الشارع الإيراني لنشعر بأن السحر ارتد أخيراً على الساحر وباتت إيران قاب قوسين أو أدنى من الحرية، وانتهاء زمن الملالي والخامنئي والهلال الشيعي، وكل ما لهذه المنظومة من شر في المنطقة.
لكن المفاجأة، وهنا بالذات، سرعة الرد الأمريكي وإعلان ترامب وبكل صراحة بأن لا نية لبلاده بإسقاط النظام في إيران، ما يؤكد نظريتنا الأولى، بأن النظام الإيراني هو الذراع العسكري لأمريكا في منطقتنا العربية، وهو الفزاعة المنصوبة وسطها، لابتزاز أموال الخليج واستمرار الفوضى في الجوار الإسرائيلي، فمن غير المسموح لأي شعب عربي أن يحظى بحكم ديمقراطي يهدد أمن الحدود الإسرائيلية، هذا باختصار شديد.
تستمر الاحتجاجات اللبنانية وتصل إلى يومها السادس والثلاثين دون أي حوادث عنف تذكر سوى بعض حالات الضرب الفردية لا أكثر...
يختلف الحال عنه في بغداد وطهران، حيث السيطرة الإيرانية الحقيقية على الأرض، فما نشاهده ما هو إلا تكرار حرفي لما حدث في سوريا، فذات السيناريو يتكرر اليوم في العراق وطهران، وكأن المُعلم الإيراني معجب بنتائج تلامذته في سوريا، فمن خلال الدرس السوري أثبتت إيران لنفسها، أن السلطة قادرة على الاستمرار في الحكم بالرغم من تدمير البلاد، وآلاف القتلى، وملايين المهجرين والنازحين داخلياً وخارجياً، وخلال تسع سنوات من الحرب السورية، ثبت لإيران صحة نصائحها للأسد، فالمجتمع الدولي وقراراته ما هي إلا حبر على ورق، بوجود الدعم الروسي والأمريكي وإن كان دعماً خفياً، وأن الرهان على الوقت أصبح رهاناً رابحاً مئة بالمئة حتى لو خسرت البلاد الشعب والبناء وكل البنى التحتية معاً فالبقاء للكرسي، وكله "بضاعة مخلوفة".
باتت الطريقة السورية، طريقة مجربة وفعالة وناجحة، وعلى رأي المثل "اسأل مجرب ولا تسأل حكيم"، كذلك إيران اليوم بالتعامل مع شعبها الثائر، ترمي بالحكمة من النافذة، وتنفذ الخلطة الجاهزة التي جربتها بنفسها في سوريا، لتصبح مأساتنا السورية ( ستايل) يحتذى به في قمع الشعوب والتصدي لمطالبها بالحرية والكرامة والعدالة.
فتبدأ الأمور بقطع الإنترنيت لجعل النشطاء الإيرانيين في عزلة عن بعضهم البعض ولمنع تسرب أخبار الاحتجاجات إلى الخارج، وتوثيق العنف ضد المتظاهرين، ويصرح وزير الاتصالات محمد جواد آذري بأن لا علم لديه بتوقيت عودة الإنترنت للبلاد، ثم يعود الاتصال بالشبكة في اليوم التالي، ولكن مع حجب كامل لكافة مواقع التواصل، بعد أن فرضت عليه الولايات المتحدة الأمريكية عقوبات، وصرح بومبيو في بيان أن "الولايات المتحدة تقف إلى جانب الشعب الإيراني في كفاحه ضد نظام قمعي يكمم الأفواه بينما يعتقل ويقتل المحتجين"، معتبرةً أنه "يجب ألا تساعد أي دولة أو شركة النظام الإيراني في فرض الرقابة أو انتهاكات حقوق الإنسان".
تستكمل السلطات الإيرانية السيناريو فتلقي باللوم في الاحتجاجات على من وصفتهم بـ "بلطجية على صلة بمنفيين وأعداء أجانب" على نمط مندسين، وتبدأ باعتقال المحتجين.
يتصدر المرشد الأعلى علي خامنئي، المشهد ويعلن بأن هذه الاحتجاجات مسألة أمنية وليست حركة شعبية وسيتم التعامل معها بنجاح.
يتصاعد عدد القتلى بين المتظاهرين ويزداد عدد المصابين والضحايا، يبدأ العالم معاناته مع القلق كما كان قلقاً على الوضع في سوريا، حتى قلقنا عليهم من شدة قلقهم.... ويبقى النظام الإيراني حريصاً على تنفيذ (السيريان ستايل) بحذافيره في العراق وطهران معاً متأملة أن تلعب على الوقت وعلى القبضة الحديدية بإسكات الشارع وإخماد الاحتجاجات فهل تستطيع الديكتاتوريات أن تُخرس صوت الشعوب الثائرة؟
*من كتاب "زمان الوصل"
تعليقات حول الموضوع
لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية