أدخل كلمات البحث واضغط على إدخال.

جماعة قدري.. الحنين إلى ذل النضال*

جميل - أرشيف

هؤلاء يحبون النضال بطريقته الكلاسيكية، وآخره بعض المشاكسة لوزير التموين والتجارة الداخلية، والتباكي على زيادة أسعار الخضار في أسواق دمشق وحلب، وكتابة افتتاحية نارية في الجريدة الحزبية عن حتمية الحل الاشتراكي.

أكبر نضالات الرفيق قدري جميل زعيم حزب الإرادة الشعبية -الذي أسسه بالتشارك مع وزير المصالحة علي حيدر الامبريالية- كانت معركة المشغل الثالث الخليوي في سوريا، ووصوله إلى حلمه كنائب اقتصادي في حكومة النظام.

أما أهم إنجازاته في تلك الحقبة النضالية التصريح الشهير بإعادة الدولار إلى عتبة الـ 100 ليرة، وتعيين عدد من الشبيحة لحمايته بعد رواية التهديدات بالقتل التي خرج على ضوئها من البلاد هارباً إلى موسكو، وتسليم قيادة الحزب إلى بقايا عجائز النضال اليساري الذين بدؤوا يجاهرون بموالاتهم للمشروع الروسي الذي جاء لحماية سوريا من هيمنة العالمية.

سنوات الدم السوري لم تغير من عقلية الخطاب الممجوج لهؤلاء المناضلين، وقراءة بسيطة لعناوين صحيفتهم توصلك إلى استعصاء الداء واستحالة الشفاء، وما زالت خطابات النضال النقابي تتسيد عناوينها في بلد قتلت فيه النقابات، وتم دفنها منذ ثمانينات القرن المنصرم، وتسيد الشبيحة والفاسدين من البعثيين كل نقابات الوطن وأخصوها بالفساد والقتل.

لن تغيب الصين وحتى كوريا الشمالية شقيقتا النضال اليساري عن عناوين الصحيفة، وفي مقهى "الكمال" سيهز قارئ شيوعي عتيق رأسه فرحاً - وهو يرشف من كأس الشاي رشفة كبيرة- من قدرة الحلفاء الصفر على تمريغ رأس الرأسمالية بالأرض في بكين وبيونغ يانغ، وهما أقرب إليهم من درعا ودوما. ستقرأ عن عبودية الاسترالية، ونصائح يسارية للحراك اللبناني، وإطلاق روسيا أول رجل آلي إلى الفضاء، وعن رثاء الناتو، وعنوان عريض عن رجال تحت الشمس، وعن القهر السوري في معجم المعاني، وعناوين أخرى متعددة عن الدولار وحياة السوريين.

هم هكذا منذ أزلهم لم يخرجوا من عباءة الهمس في زمن الرصاص والموت، وأما الأكثرمرارة اليوم في هذا الأداء الصوتي أنهم يرون الموت تحت سياط المخابرات أهون عليهم من الحوار مع السوري الآخر الذي يريد الخروج من عباءة القمع وديكتاتورية التوريث.

مناسبة هذه المقدمة الطويلة عن جماعة قدري جميل وأشباههم هو قرار اللجنة الستويرية بطرد "مهند دليقان" من اللجنة، وهو لم يخرج عن مشروع نضال معلمه القابع في موسكو الحالم بالعودة إلى دمشق، وتسلم حقيبة وزارة التموين من أجل ممارسة النضال الثوري في الدفاع عن لقمة الشعب بعد أن صار الخبز دماً، والوطن جزراً موزعة بين المحتلين، والشعب إما مهاجراً أو لاجئاً أو مسجوناً.

جماعة قدري ليسوا فقط اتباعه في الحزب بل كل الأحزاب التي تأسست مع بداية حراك السوريين كأحزاب معارضة برعاية داخلية النظام، وقد اشتغل بعضهم في سرقة أموال السوريين كوسيط بين الناس والمخابرات، والبعض يلمع صورة القاتل بعناوين الدفاع عن السيادة ضد المشروع الأمريكي، ويرى في الروسي زائراً مؤقتاً، وأما الإيراني فشريك في مقاومة الصهيونية.

*عبد الرزاق دياب - من كتاب "زمان الوصل"
(182)    هل أعجبتك المقالة (212)
التعليقات (0)

تعليقات حول الموضوع

لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية
*يستخدم لمنع الارسال الآلي