أدخل كلمات البحث واضغط على إدخال.

الكويت الاستثناء.. حسين الزعبي*

أرشيف

مازالت الكويت تشكل نموذجا استثنائيا في المشرق العربي يستحق الاحترام لجهة ‏المساحة الديمقراطية المتاحة في هذا البلد الخليجي على الأقل مقارنة بما هو سائد في ‏محيطها.‏

وربما هذا ما جعل من الكويت ولسنوات طويلة مصدرا مهما للمنتج الثقافي الذي لا ‏يمكن وصفه إلا بـ "المحترم"، وتجربة مجلة "العربي" وسلسلة "عالم المعرفة" التي ‏كانت توفر للمواطن العربي كتابا شهريا قيماً بسعر رمزي (دولار) في معظم البلدان، ‏إضافة لسلسلة "المسرح العالمي" وغيرها من السلاسل الثقافية ما زالت شاهدة على ‏المرجعية الثقافية لهذا البلد.‏

بالأمس أجرى أمير الكويت تعديلا وزاريا كلف بموجبه رئيس الوزراء "جابر ‏المبارك" بتشكيل حكومة جديدة، لكن الأخير وعبر رسالة نشرتها وكالة الأنباء ‏الكويتية الرسمية "كونا" اعتذر عن قبول المهمة بسبب الاتهامات الموجهة له بالفساد ‏مطالبا أن يكون القضاء هو الفيصل في هذه القضية.

أما الأجمل في هذه الحالة شبه ‏الاستثنائية في عالمنا العربي المظلم، فهي أن يرد أمير الكويت بكلمة يؤكد فيها على ‏ضرورة محاسبة الفاسدين مهما كانت صفتهم ومكانتهم، وذلك ضمن قاعدة المتهم ‏بريء حتى تثبت إدانته من قبل القضاء وحده.‏

في هذا العالم الذي باتت تجاربه الديمقراطية، بفضل وسائل التواصل، بين يدي اصغر ‏طفل عربي، يبدو ما حصل في الكويت "عاديا" مقارنة بما تعيشه دول العالم ‏الديمقراطي، لكنه ليس كذلك، إذا ألقينا نظرة سريعة على الواقع العربي الذي مازال ‏فيه المقال الصحفي، هذا إن لم نقل إن الكلمات، على مواقع التواصل، والتي لا تتناسب ‏مع أهواء السلطة تعد خطرا قد يودي بصاحبه إلى غياهب السجون هذا إن تتسبب ‏بمقتله وربما تقطيعه.‏

أتابع منذ أيام برنامج "الصندوق الأسود" الذي تعرضه صحيفة "القبس" الكويتية عبر ‏موقعها الالكتروني وقناة اليوتيوب، حيث تستضيف شخصيات كويتية فاعلة وتتعرض ‏لمسيرة حياتها، ومن بين الشخصيات التي يتم استضافتها المفكر "عبد الله النفيسي" ‏الذي يتميز بهدوء كلماته وصخب أفكاره وثراء تجربته.. في هذا البرنامج لم يترك ‏الرجل شخصية كويتية سواء من الحكام أم الوزراء إلا وطالها انتقاده الذي اقترب في ‏كثير من الأحيان من حدود التجريح ليس فقط لمن هم في موقع المسؤولية الآن بل لمن ‏سبقوهم أيضا، من دون أن يمس الرجل بأذى أو أن يمنع البرنامج أو أن يحجب ‏الموقع، بل على العكس تحول ما قاله إلى حالة جدلية لها طابع فكري على مواقع ‏التواصل.. ‏ لست هنا لأروج لهذا البرنامج ولا للتغزل في التجربة الكويتية الديمقراطية، التي لا ‏يمكن مقارنتها بما وصلت إليه دول عديدة ليس في أوروبا وحسب بل في أماكن ‏أخرى من العالم، لكن ومن باب الإنصاف تمثل الكويت كما أسلفت حالة تستحق ‏الاحترام، لأنها استثنائية ليس فقط في محيطها القريب بل في عالمنا العربي الذي تئن ‏شعوبه تحت سطوة الحكام وميليشياتهم المسلحة وغير المسلحة.‏

*من كتاب "زمان الوصل"
(233)    هل أعجبتك المقالة (244)
التعليقات (0)

تعليقات حول الموضوع

لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية
*يستخدم لمنع الارسال الآلي