مازالت الكويت تشكل نموذجا استثنائيا في المشرق العربي يستحق الاحترام لجهة المساحة الديمقراطية المتاحة في هذا البلد الخليجي على الأقل مقارنة بما هو سائد في محيطها.
وربما هذا ما جعل من الكويت ولسنوات طويلة مصدرا مهما للمنتج الثقافي الذي لا يمكن وصفه إلا بـ "المحترم"، وتجربة مجلة "العربي" وسلسلة "عالم المعرفة" التي كانت توفر للمواطن العربي كتابا شهريا قيماً بسعر رمزي (دولار) في معظم البلدان، إضافة لسلسلة "المسرح العالمي" وغيرها من السلاسل الثقافية ما زالت شاهدة على المرجعية الثقافية لهذا البلد.
بالأمس أجرى أمير الكويت تعديلا وزاريا كلف بموجبه رئيس الوزراء "جابر المبارك" بتشكيل حكومة جديدة، لكن الأخير وعبر رسالة نشرتها وكالة الأنباء الكويتية الرسمية "كونا" اعتذر عن قبول المهمة بسبب الاتهامات الموجهة له بالفساد مطالبا أن يكون القضاء هو الفيصل في هذه القضية.
أما الأجمل في هذه الحالة شبه الاستثنائية في عالمنا العربي المظلم، فهي أن يرد أمير الكويت بكلمة يؤكد فيها على ضرورة محاسبة الفاسدين مهما كانت صفتهم ومكانتهم، وذلك ضمن قاعدة المتهم بريء حتى تثبت إدانته من قبل القضاء وحده.
في هذا العالم الذي باتت تجاربه الديمقراطية، بفضل وسائل التواصل، بين يدي اصغر طفل عربي، يبدو ما حصل في الكويت "عاديا" مقارنة بما تعيشه دول العالم الديمقراطي، لكنه ليس كذلك، إذا ألقينا نظرة سريعة على الواقع العربي الذي مازال فيه المقال الصحفي، هذا إن لم نقل إن الكلمات، على مواقع التواصل، والتي لا تتناسب مع أهواء السلطة تعد خطرا قد يودي بصاحبه إلى غياهب السجون هذا إن تتسبب بمقتله وربما تقطيعه.
أتابع منذ أيام برنامج "الصندوق الأسود" الذي تعرضه صحيفة "القبس" الكويتية عبر موقعها الالكتروني وقناة اليوتيوب، حيث تستضيف شخصيات كويتية فاعلة وتتعرض لمسيرة حياتها، ومن بين الشخصيات التي يتم استضافتها المفكر "عبد الله النفيسي" الذي يتميز بهدوء كلماته وصخب أفكاره وثراء تجربته.. في هذا البرنامج لم يترك الرجل شخصية كويتية سواء من الحكام أم الوزراء إلا وطالها انتقاده الذي اقترب في كثير من الأحيان من حدود التجريح ليس فقط لمن هم في موقع المسؤولية الآن بل لمن سبقوهم أيضا، من دون أن يمس الرجل بأذى أو أن يمنع البرنامج أو أن يحجب الموقع، بل على العكس تحول ما قاله إلى حالة جدلية لها طابع فكري على مواقع التواصل.. لست هنا لأروج لهذا البرنامج ولا للتغزل في التجربة الكويتية الديمقراطية، التي لا يمكن مقارنتها بما وصلت إليه دول عديدة ليس في أوروبا وحسب بل في أماكن أخرى من العالم، لكن ومن باب الإنصاف تمثل الكويت كما أسلفت حالة تستحق الاحترام، لأنها استثنائية ليس فقط في محيطها القريب بل في عالمنا العربي الذي تئن شعوبه تحت سطوة الحكام وميليشياتهم المسلحة وغير المسلحة.
تعليقات حول الموضوع
لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية