بنيت نظرية "الشوافة لإستقرار السلطة في سورية على مركب خطر للغاية، أدى مع تراكم الزمن و الأحداث إلى الحفر عميقاً في الذاكرة الوطنية لابل وفي النسج الاجتماعية وليس السياسية فقط..
ففي علم الإقتصاد الذي يعتبر القاعدة الأساسية للسياسة، هناك فرع رئيسي يعالج قضية "مستوى العيش" "التسعير" ! وتتبدى العلاقة بين هذه القضية الاقتصادية والاستقرار، من مكان لا يخطر في بال الكثيرين، فكلنا يعرف أن هناءة الناس و مستوى عيشها الكافي هو مسبب أول للاستقرار، لكن هناك نظرية أخرى يقول أصحابها بإبقاء المواطن محتاجاً، بشرط ألا تكون حاجته مميتة !!.
أي أن يعيش المواطن بتأمين الخبز و الدواء والمدرسة، ولكن عليه وعليه وحده ( تدبير رأسه) ليتزوج و يبني بيتاً، و من ثم ليزوج أولاده أو يبني لهم ! و هي نظرية العيش "بالقطارة" أو... "نظرية الشوافة".
فنظرية العيش بالقطارة برأيهم "نظرية الشوافة" تحقق مجموعة نتائج لايمكن لنظرية الوفرة تحقيقها، و هي المقدرة الدائمة على ممارسة "المكرمات" على الشعب ، حين يتطلب الواقع السياسي الداخلي هذا "الكرم".
كما أن هذه النظرية – و هنا الخطر الكبير – تجعل من عدد كبير من المواطنين أصحاب ملفات تحت الطلب ! لأن الكل .. الكل عليه أن يخالف القانون دون استثناء بشكل أو آخر حتى تستمر عجلة الحياة أو عجلة الدولة التي تطحن "المجتمع" !
فإذا كنت بائعاً عادياً أو تاجراً أو مدرساً ، مهندساً أو طبياً أو ضابطاً أو ... لتكن من تكون ،لابد عليك من مخالفة القانون لكي تستمر ! فينشأ لك "ملف" يوضع على الرف، حتى تنشأ الحاجة إليه .. و بالطبع تنشأ الحاجة للملف عندما يكون مطلوباً أن تلوى عنقك.
هذه النظرية أدت لحالة يشعر فيها المواطن السوري بأنه خارج للحال من "حفلة عيب" وأن عليه أن يجد ألف سبيل لكي يحمي نفسه وعائلته حتى لا ينفضح أمره.
و لقد أدى هذا الأمر إلى تفسخات إجتماعية خطرة للغاية، وكان هذا أحد اسباب التطرف باتجاهاته جميعاً الدينية وغير الدينية، و كان أحد أسباب الإنفجار الكبير بوجه السلطة عام 2011م.
أضف إلى ماسبق ظهور الظلم الشديد في الابتعاد ألف ميل عن تحقيق كرامة المواطن و استبدالها بـ"الكرامة الجمعية" وإقناع المواطن بأن كرامته تتحقق، عندما يحفظ هو و أولاده كل الأغاني "الوطنية"، ويعيد ترديدها في نومه، حتى و لو أهين من أجل وثيقة "إخراج قيد" أو معاملة "غير محكوم أو أية معاملة" أو اضطر لدفع الرشوة للحصول عليها بلا الانتظار مع الإهانة، أو انتظار تحقيق العدل في مظلمة ما ! و الجزء الضروري في هذه النظرية انعدام "القضاء العادل" ، فالمواطن ليس "قيمة" ورضاه غير مطلوب حتى تستوي الأمور، بل المواطن "هدف" يجب عدم إرضاؤه من أجل أن يعلو الموظف عليه، فيصير رضى الموظف مطلوباً بالمال أو بأي شيء، حيث الموظف هنا جزء من المعادلة، و عليه أيضاً أن يعيش هو وأسرته بامتهان الفساد.
هذه النظرية نشأت في سورية بعد حرب تشرين 1973م ، حيث حصل زمن وفرة، وكانت التقارير الواصلة للحكم تقول أن الناس تحتج لأنها لا تجد السلع التي تريدها في المحلات، مع أنها تمتلك المال !! و عندما طرحت القضية على العلن في أحد اجتماعات الوزارة قال نائب رئيس الوزراء للشؤون الاقتصادية آنذاك "محمد حيدر": يا أساتذة صار بشعبنا مثل فأر الشوافة و لازم نلاقي حل ! و عندما سئل عما يقصد قال : الشوافة هي اليقطينة الكبيرة و رائحتها زكية، لكن جلدتها سمكية، فإذا مر فأر بقربها و اشتم الرائحة، عض عضة بسيطة، ثم أخرى ثم آخرى حتى يحدث ثقباً في الشوافة، فيدخل رأسه فيها و يبدأ بامتصاص عسل الشوافة ! ثم يدخل في قلبها .. وعندما يصبح في داخلها ، يستمر بالأكل حتى يصبح سميناً جداً لا يمكنه الخروج من الثقب !! .. و الحل الوحيد هو تجويعه وانتظاره حتى ينحف من جديد فيستطيع الخروج من ثقب الشوافة.
لقد اقترح هذا النائب من يومها نظرية لا تؤمن بأن شبع الناس وحريتها سوف يؤدي للاستقرار والإزدهار، و ذاك فقط لأنه يرى في الناس فئراناً، إلا أن هذه النظرية فشلت بطبيعة الحال، لكن على ما يبدو أن السلطة لم تدرك برغم كل ما حصل، فشل هذه النظرية و لازلت متمسكة بها ولازال المواطن بالنسبة لها فأر يحتاج للجوع و لي العنق ومخالفة القانون حتى يتأمن الاستقرار.
*أستاذ جامعي سوري
تعليقات حول الموضوع
لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية