من مساوئ مهنة الصحافة، أنك قد تضطر لمتابعة لقائين لبشار الأسد خلال عشرة أيام، أحدهما على الإعلام المحلي، والثاني على الإعلام الروسي.
لكن من تابع اللقائين، لا بد أن يكون قد لاحظ، أن بشار الأسد على الإعلام الروسي أصغر منه بكثير على الإعلام المحلي، مع أن الكثيرين يعتقدون أنه لا فرق شاسع بين الإعلامين.
في لقائه مع قناتي "السورية" و"الإخبارية" نهاية الشهر الماضي، بدا بشار الأسد كطاووس، يتنقل بين المواضيع وأسئلة المذيعين برشاقة، وكأنه يقرأ من ورقة معدة مسبقا، لما يجب أن يقوله أو يطلقه من مواقف بشتى الاتجاهات المحلية والعربية الدولية.
ولا بد من الاعتراف، أنه نجح في ذلك اللقاء، بإيصال رسائل لكل هذه الأطراف.. المعارضة التي يفاوضها الوفد المدعوم من الحكومة السورية على الدستور في جنيف، وصفها بأنها ممثلة للمجموعات الإرهابية، وبأنها غير وطنية، وتتبع لأجندات دول خارجية..
وعربيا، حاول أن يمد يده لمن يدعون لعودة سوريا إلى جامعة الدول العربية .. وأما على المستوى الدولي، فلم يكن موفقا إلى هذا الحد، وخصوصا في جزئية هجومه على الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، والتي أشعلت الإعلام الروسي ضده.
لذلك ، يرى الكثير من المراقبين ، أن لقائه الثاني مع قناة روسيا اليوم الدولية ، جاء " لترقيع" ، هذه المواقف ، إلا أن بشار الأسد بدل ذلك ، بدا كاذبا و "حقيرا" في كل كلمة وجملة نطق بها ، فهو نفى كل شيء ، الدمار والتعذيب في السجون ، وعدم قصف المستشفيات، واتهم الخوذ البيضاء بأنهم كانوا يعملون قاطعي رؤوس مع القاعدة ومن ثم انتقلوا إلى العمل الإنساني، وأنكر مجازر الكيماوي بالكامل، وكان يطلب من المذيع أن يعود إلى "اليوتيوب" ليشاهد الحقائق بنفسه، ثم يقول له سوف نزودكم بكل هذه الفيديوهات التي تظهر زيف كل ما حدث في سوريا. بينما عينا المذيع كانتا تظهران، أنهما لا تصدقان هذا الشخص الذي يتحدث أمامه .. ولعل بشار الأسد، كان ينتظر من كل هذا اللقاء، السؤال المتعلق بتركيا والرئيس أردوغان من أجل أن يصحح عباراته غير الدبلوماسية، التي قالها في لقائه مع الإعلام المحلي..وهو بالفعل قال كلاما متوازنا بحق كل الأطراف الدولية بما فيه "إسرائيل"، باستثناء الشعب السوري، الذي زاد من جرعة الهجوم عليه.
على أي حال، تذكرت بعد الانتهاء من لقاء بشار على روسيا اليوم، حادثة لصحفي إنكليزي جاء إلى محافظ درعا، ومعه ورقة من بشار الأسد، يستطيع أن يتنقل من خلالها في كل مناطق درعا، وأن يرى بأم عينه أنه لا يوجد حواجز للجيش فيها، وزوده بشار الأسد برقم هاتفه، من أجل أن يتصل به متى شاء إن واجهته عراقيل..كان ذلك في بداية الثورة السورية منتصف العام 2011، يومها وقف محافظ درعا حائرا ماذا يفعل، بينما يصر ذلك الإنكليزي على أنه بالحال يريد أن يتجول في قرى درعا، حاول المحافظ في البداية أن يوهمه أن المناطق التي يريد أن يذهب إليها، خطيرة وأنه يخشى على حياته، إلا أن الصحفي الإنكليزي أصر بأنه مستعد للذهاب على مسؤوليته الشخصية، ثم يهدد بين اللحظة والأخرى بأنه سيتصل ببشار الأسد، ويخبره أن المحافظ يضع أمامه العراقيل، نظرنا إلينا المحافظ حائرا، وكنا مجموعة من الصحفيين نتحلق حوله ونسمع الحوار بينه وبين الصحفي الإنكليزي، فقال لنا بصوت هامس "ماذا نفعل مع هذا الكائن .. يريد أن يزور القرى وهي ملأى بالحواجز بينما سحبها الآن يتطلب أكثر من يوم" .. كان بيننا صحفي، من بيت حيدر، هو أقرب ما يكون لعنصر مخابرات، فاقترح على المحافظ، أن يأخذه إلى ريف السويداء، وبذلك يتخلص منه ومن هذه المشكلة.. لمعت عينا المحافظ على هذه الفكرة، وكاد أن يهمّ و"يعبط" هذا الصحفي عليها..وبالفعل تم إرسال الإنكليزي إلى ريف السويداء بدلا من ريف درعا، لكي يرى بأم عينه بأنه لا يوجد حواجز في سوريا .. الرابط بين هذه القصة وبين لقاء بشار الأسد على قناة "روسيا اليوم"، وقبل على الإعلام المحلي، أن هذا الكائن، إما أنه كاذب ودجال، أو أنه لا يعرف ما الذي يجري في البلد ..وأغلب الظن، أنه الإثنان معا.
بشار الأسد في لقائين.. فؤاد عبد العزيز*

*من كتاب "زمان الوصل"
تعليقات حول الموضوع
لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية