أدخل كلمات البحث واضغط على إدخال.

رسائل النار.. من جسر الشغور إلى جنيف*

من ريف إدلب - جيتي

لم تتوقف آلة الموت عن حصد أرواح المدنيين السوريين، والصور القادمة منذ أيام من جسر الشغور ومعرة النعمان تشي بحجم الحقد الذي تمارسه روسيا لتحقيق انتصارات في أماكن أخرى لا تستطيع طائراتها دكه لإنجاز ما تريده في سوريا، وإخراج حل سياسي يعيد النظام إلى الواجهة كحاكم وحيد لهذه الأرض اليباب.

رسائل النار التي تشعلها طائرات النظام وروسيا في ريف إدلب تقول للمتفاوضين في جنيف قدموا المزيد من الطاعة للأسد، ولا يكفي هذا السقف المنخفض من المطالب التي تهاوت من إسقاط النظام إلى القبول بشراكته، والجلوس معه كطرف يعكر صفوه لا كقوة تفرض تغييراً في بنية الحكم المستبد.

هي أيضاً رسائل لمن يعتقدون أنهم قادرون على التغيير في سوريا، ومنها دول ترى فيما بقي من أرض خارج السيطرة ورقة ضغط قد تجبر النظام وحلفائه على تغيير نمط التعاطي بالنار، ومن هنا تأتي النار الروسية لتؤكد أن لا حل إلا بالموت، وأن المعركة على الأرض وليست في قاعات المؤتمرات، الإشارات الإيجابية التي أرسلها المبعوث الدولي "غير بيدرسون" في المفاوضات، والحديث عن حسن إدارته لها، وعدم نجاح وفد النظام وداعميه في المنصات الأخرى التي تنضوي تحت سقف المعارضة في إفشالها، وعلى الأقل تعطيلها بحجج واهية وأعذار كاذبة..كل ذلك كان لا بد من الرد عليه برسائل أكثر عمقاً، وعنفاً.

رسائل على الأرض تقول للجميع إن نحن هنا نفعل ما نريد، وهذه أوراقنا، في جنيف يحاول بعض المحسوبين على المجتمع المدني، ومعهم منصة موسكو قلب الطاولة على المفاوضات التي تعقدها اللجنة الدستورية، وتحويل الأمر لخلافات هامشية على بعض المفردات واستفزاز بقية الأعضاء، والدعوة إلى عقد المفاوضات في دمشق، فكتابة الدستور السوري يجب أن تكون هناك حيث لا يجوز أن يكتب خارج أسوار الأفرع الأمنية التي طالما كانت هي من يضع التوقيع الأخير على كل ما يخص الوطن.

من الواضح أن الأطراف المحسوبة على موسكو والتي تخترق اللجنة لم تنجح في مهمتها حتى اللحظة، وهذا ما استدعى أن يكون الضغط خارج القاعة، والمكان الوحيد الذي ربما يؤلم ويحقق النتائج، والذي كان الورقة الرابحة دوماً لتحقيق المكاسب..دم الأبرياء.

أيضاً هناك من يساعد مسار النار عن قصد ومن دونه، ويبادر على الأرض لتهديد المدن البائسة كما تفعل "هيئة تحرير الشام" في ريف إدلب خلال اليومين الماضيين من حشد لعناصرها لاقتحام "كفر تخاريم"، وهذا ما دفع الأهالي للتظاهر في أغلب مناطق الريف تضامناً وسخطاً.

مسارات النار لن تتوقف في سوريا، وكذلك الجوع والقهر والتنكيل فيما تمشي مفاوضات العالم نحو سنوات من التيه الكبير لبلاد لم تعد بإمكانها أن تحتمل وزر آثام العالم وخطاياه، واستبداد الحاكم حيث تموت الرعية ليحيا وحده.

*عبد الرزاق دياب - من "كتاب زمان الوصل"
(205)    هل أعجبتك المقالة (210)
التعليقات (0)

تعليقات حول الموضوع

لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية
*يستخدم لمنع الارسال الآلي