أدخل كلمات البحث واضغط على إدخال.

عن تجربة سورية الدستورية... سمير سعيفان*

من جلسات اللجنة الدستورية بجنيف - جيتي

إذا استعرضنا التجربة الدستورية في سوريا منذ دستور 1973 الذي وضعه حافظ أسد وحتى 2010 ومقارنة ما نص عليه الدستور وما طبق في أرض الواقع سنرى التالي:

نصت المادة 25 على أن "الحرية حق مقدس وتكفل الدولة للمواطنين حريتهم الشخصية وتحافظ على كرامتهم وأمنهم"، بينما نعلم أن عشرات آلاف المواطنين قد تم اعتقالهم بدون وجه حق، وذات المادة نصت على أن "تكفل الدولة مبدأ تكافؤ الفرص بين المواطنين"، بينما كانت الواسطة كانت سيدة الموقف، وكان الجيش والأمن مغلق في وجه قطاعات واسعة من السوريين، وكان الانتساب لحزب البعث يمنح ميزة انتهازية مقابل غير البعثي، أي تم خرق هذا المبدأ بشكل فاضح.

المادة 26 نصت على أن "لكل مواطن حق الإسهام في الحياة السياسية"، بينما كل من مارس حقه هذا تم اعتقاله وتعذيبه لسنوات.

المادة 28: نصت على أن "كل متهم بريء حتى يدان بحكم قضائي مبرم، ولا يجوز تحري أحد أو توقيفه إلا وفقاً للقانون. ولا يجوز تعذيب أحد جسدياً أو معنوياً أو معاملته معاملة مهينة ويحدد القانون عقاب من يفعل ذلك." بينما يعرف كل منا الكثير من القصص عن أحكام ظالمة واعتقال بدون وجه حق وتعذيب جسدي ومعنوي ومعاملة مهينة بدون أن ينال أحد عقابه ولم نسمع قط عن محاسبة أي أحد خلال 50 عاما.
المادة 31 نصت على أن "المساكن مصونة لا يجوز دخولها أو تفتيشها إلا في الأحوال المبينة في القانون." بينما نعلم أن لا حرمة للبيوت وتنتهك صبحا وعشية من قبل الشرطة ورجال الأمن.

المادة 32 نصت على أن "سرية المراسلات البريدية والاتصالات السلكية مكفولة"، وكلنا يعلم أن ما طبق هو رقابة صارمة بعقوبات صارمة حتى بات السوريون يخشون من الجدران.

المادة 32 تنص على أن "لكل مواطن الحق في أن يعرب عن رأيه بحرية وعلنية بالقول والكتابة وكافة وسائل التعبير الأخرى..وتكفل الدولة حرية الصحافة والطباعة والنشر، ولكن كل من مارس أي من هذه الحقوق تم اعتقاله لسنوات.

المادة 39 نصت على أن "للمواطنين حق الاجتماع والتظاهر سلميا" ونعلم أنه على مدى 50 عاما لم يحدث أي اجتماع سياسي أو مطلبي سلمي إلا واعتقل المجتمعون، ولم تخرج مظاهرة إلا وأطلق عليها الرصاص وهذا ما حدث ويحدث منذ 2011 وأدى للكارثة السورية.

المادة 48 نصت على أن "للقطاعات الجماهيرية حق إقامة تنظيمات نقابية أو اجتماعية أو مهنية أو جمعيات"، ولكن لم يسمح بقيام أي منها سوى التي أقامها النظام لغايات تأطير الشعب في تنظيمات تضبط حركته وفق مصلحته.

أما الأحزاب السياسية فلم يذكرها قط، وبقيت سورية طيلة هذه نصف قرن بدون قانون أحزاب وكان حزب البعث ذاته حزب غير مرخص لأنه لم يصدر قانون للأحزاب أصلاً، ولم يكن أكثر من جهاز إداري في خدمة السلطة.

المادة 70 نصت على أن "لأعضاء مجلس الشعب حق توجيه الأسئلة والاستجوابات للوزارة أو أحد الوزراء".

والمادة 71 الفقرة 8 نصت على أن "يتولى مجلس الشعب حجب الثقة عن الوزارة أو عن أحد الوزراء"، ولكن على مدى 50 عاما، ورغم كل ما ألم بسوريا، من أحداث وأزمات لم يتم استجواب أي وزير ولم يطلب إقالة أي وزير ولم تسحب الثقة من أي وزارة.

أما الفصل الثاني المتعلق بسلطات رئيس الجمهورية فيحتوي على 30 مادة من أصل 156 مادة (المواد 84 – 114) بينما خصص لمجلس الوزراء 13 مادة ( 115 – 128) وبموجب هذه المواد يتولى رئيس الجمهورية وضع السياسة العامة للدولة ويشرف على تنفيذها.

(المادة 94) ويمارس السلطة التنفيذية نيابة عن الشعب (المادة 93) ويتولى تسمية رئيس مجلس الوزراء ونوابه وتسمية الوزراء ونوابهم وقبول استقالتهم وإعفاءهم من مناصبهم.

(المادة 95) ويعلن حالة الطوارئ ويلغيها (المادة 101)، ولكن حافظ أسد لم يكن بحاجة لإعلان حالة الطوارئ لأنها أعلنت في البيان رقم 2 صبيحة 8 آذار مارس/1963 وبقيت معلنة لمدة 50 عامًا، حيث استبدلت بقانون الإرهاب وهو أسوأ من قانون حالة الطوارئ بالنسبة لحقوق المواطنين.

ثم رئيس الجمهورية هو القائد الأعلى للجيش والقوات المسلحة (المادة 103) وله أن يحل مجلس الشعب بقرار معلل يصدر عنه ( المادة 107) ويعين الموظفين المدنيين والعسكريين وينهي خدماتهم (109) ويتولى سلطة التشريع (المادة 111)، ويرأس مجلس القضاء الأعلى (المادة 132)، وهو من يشكل هذا المجلس كما يشكل المحكمة الدستورية العليا، وإضافة لذلك هو الأمين العام لحزب البعث القائد للدولة والمجتمع. 

ورغم كل هذه الصلاحيات الواسعة جدًأ فقد تجاوزها في التنفيذ مرات ومرات الى حد أن الحق سوريا به فسميت "سورية الأسد".

وحتى هذه الحقوق الشحيحة التي منحت للمواطن تم تقييدها بكلمة "وفقًا للقانون"، حيث يصدر الرئيس قوانين تقيد استعمال هذه الحقوق إلى حد منعها عمليًا، أو إصدار قوانين تبيح الاعتقال واقتحام البيوت والتعذيب دون مساءلة. أي القليل الذي منح باليمين بموجب الدستور تم سحبه باليسار بالقوانين التي صدرت. وإن لم يتم سحبه بنص قانوني كان يتم مخالفته دون أي مساءلة.

لذلك لا قيمة للدستور بحد ذاته، فرغم كل سوء دستور 1973 فإن الحقوق التي منحت للمواطن لتجميل النص قد ضرب بها بعرض الحائط.
الدرس البليغ اليوم ولمستقبل سورية هو أن سورية بحاجة لنظام برلماني وليس رئاسيا في نظام ديمقراطي تكون فيه أحزاب سياسية قوية متنافسة ونقابات قوية وجمعيات ومجتمع مدني قوي وثقافة عامة تقدس الحرية وتقيد سلطات الأجهزة وتضعها تحت مساءلة حقيقية، المجتمع المدني القوي هو الضمانة.

*مدير مركز حرمون للدراسات المعاصرة
(157)    هل أعجبتك المقالة (164)
التعليقات (0)

تعليقات حول الموضوع

لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية
*يستخدم لمنع الارسال الآلي