ولدت حيث ولد المسيح، في قرية الشجرة بالجليل الشمالي» كان يردد ناجي العلي. بعد النكبة انتقل إلى مخيم عين الحلوة في لبنان... نال شهادة الإعدادية، ولم يداوم في الأكاديمية اللبنانية للرسم إلا شهراً، إذ أمضى وقته في السجون. اكتشفه غسان كنفاني ونشر أحد رسومه في «الحريّة». سافر عام 1963 إلى الكويت ليعمل في مجلة «الطليعة»، ثم انتقل إلى جريدة «السياسة». وهنا سيولد حنظلة ذو العشر سنوات «الذي لن يكبر إلا عند عودته إلى فلسطين». في عام ١٩٧٤عاد إلى بيروت ليلتحق بجريدة «السفير» حتى 1983. بعدها هاجر إلى الكويت، ليعمل في جريدة «القبس»، لكنّه أبعد مجدداً إلى لندن عام ١٩٨٥ بسبب نقده الحاد للأنظمة العربية والقيادة الفلسطينية.
نحيل الجسم، صخري الوجه، صعب الابتسام» ، ناجي العلي. على رغم مرور عشرين عاماً على رحيل ناجي، تبقى رسومه حسب رسام الكاريكاتور المصري المعروف، يوميات عربية نادرة تغطّي 20 سنة من عمرنا (1967-1987)، وتؤسس اللغة الغرافيكية غير اللفظية، مثبتة «أنّنا العرب لسنا دائماً كما قيل عنّا نطرب فقط للفظ والسجع».
المخيّم الذي نشأ فيه ناجي العلي غيره اليوم. جدران عين الحلوة التي اتسعت لرسوماته الأولى، اسودّت وصارت كالزنازين. كيف تبحث عن خطاه في مخيم يتحوّل اسمه، أحياناً، مرادفاً للرعب أو الخوف؟ كما أن التغييرات الكبيرة ـــــ البشعة والعشوائية ـــــ زادت المخيم فقراً وبؤساً، وضاعت الجدران التي رسم ناجي عليها حكاياته وذكرياته.
لم يبق شيء على حاله هناك، بيت ناجي الأول من الطوب تهدّم وارتفع مكانه منزل آخر، وشجرة الزنزلخت التي جمعته بأصدقائه لم تعد هناك، ومدرسته وجدران رسوماته ودكان جدّه... كلّها أشياء اختفت. لكن ناجي لا يزال يسكن وجدان الأهالي، يحمل بعض الشبان قلادات فيها رسم حنظلة، وتفخر نسوة مسنّات بأنّهن عرفنَه صغيراً.
في عين الحلوة، «ارتسمت» خطوات ناجي الأولى بعد النكبة، وهناك التقى أناساً كان لهم تأثير كبير في حياته
في مثل هذا اليوم، انكسرت الريشة التي نكأت الجراح، وحركت وجدان الشارع العربي. عودة إلى تلك المسيرة القصيرة والصاخبة التي جعلت من عامل بساتين الليمون أشهر فناني الكاريكاتور العرب، وأكثرهم قسوة وشجاعة...
في مقبرة «بروك وود» الإسلاميّة في لندن، هناك قبر بلا شاهدة، يحمل الرقم ٢٣٠١٩٠. تعرفه من العلم الفلسطيني. هنا يرقد ناجي العلي بعيداً عن عين الحلوة... كان الرجل يسير إلى قدره بهدوء وصفاء مخيف. وحين وجّهت إليه فوهة المسدس في حي تشلسي وسط لندن، وجد معه رسمان أحدهما يحدس بموته الوشيك.
عند الخامسة والربع من بعد ظهر الأربعاء 22 تموز/ يوليو 1987، ترجل ناجي العلي من سيارته وراح يعبر شارع ايفز في وسط لندن حيث تقع مكاتب «القبس ـــــ الدولية». من النافذة لمح أحد زملائه المشهد. كل شيء تم بسرعة. لحظات وكان ناجي ملقى على الأرض وسط بقعة من الدم، بيده اليمني مفاتيح سيارته ويتأبط تحت ذراعه اليسرى رسوم يومه. وشوهد شاب شعره أسود كثيف يرتدي سترة جينز لونها أزرق يلوذ بالفرار.
نقل ناجي في حالة غيبوبة إلى غرفة العناية الفائقة في مستشفى سانت ستيفنز. وفي اليوم التالي نقل إلى مستشفى تشارنغ كروس، حيث بقي على هذه الحال حتى انطفائه في ٢٩ آب/ أغسطس.
تعليقات حول الموضوع
لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية