أدخل كلمات البحث واضغط على إدخال.

الدستور.. أم مزاد للوطنية في جنيف*

الأمر المدهش هو استمرار الاجتماعات بالرغم من اتهامات بشار الأسد للمعارضة بأنهم خونة وثلة من المرتزقة والإرهابيين

إذا كان كل أعضاء اللجنة الدستورية وطنيين ومحبين لسوريا الأم، وهم الموكلون بقيامتها مرة أخرى من حطامها الكبير، وكلهم دون استثناء يرون فيها دولة واحدة لا تقبل القسمة إلا على الجميع، وأنهم جاؤوا إلى جنيف وقبلوا بهذه المهمة الوطنية من حرصهم الشديد على ألا تضيع بين المتقاتلين..إذا كانوا كلهم كذلك فمن يقتل السوريين حتى اللحظة، ولماذا حفلة الشتم والتخوين فيما بينهم؟. الكلمات الملقاة في اجتماعات اللجنة الدستورية تشي بما ستؤول إليه البلاد على يد محبيها، وأنهم أتوا جميعاً ليقولوا فقط ما تم إملاؤه عليهم وليس ما يمليه عليهم ضميرهم وانتماؤهم الوطني، وكذلك تعليقاتهم خارج جلسات الحوار سواء على مواقع التواصل وما يتم تسريبه ليست سوى حفلات ردح وتخوين، وإضاعة وقت ريثما تصدر الأوامر من بعيد ليعيدوا الكرّة مرة أخرى ريثما يحين موعد الحل الذي تم اتخاذ قراره في الغرف السرية الدولية.

ماذا يعني أن يتمسك وفد النظام بلاءاته الوطنية (القائد- الجيش- الإرهاب)، ومواقفه التي اختلف من أجلها مع نصف السوريين على الأقل، وقتل منهم ما قتل وشرد منهم ما استطاع.. أم أنهم أتوا إلى جنيف فقط تلبية لإرادة الروسي الذي أصدر أوامره بالجلوس إلى طاولة تم الاتفاق عليها، وفي نفس الوقت النظر إلى السوري الآخر على أنه مرتزق وخائن.

في المنتصف ثمة من جاؤوا ليمثلوا الخط الثالث (المجتمع المدني) وهؤلاء من بينهم من دعا إلى قتل السوريين فقط لأنهم خرجوا على الحاكم المستبد، ومنهم من يرى أن الصراع في سوريا ليس سوى اختلاف على حصة الفساد، وآخر يرون الحل في بقاء النظام كونه من يحفظ السيادة الوطنية ولا بديل عنه..وأما الأكثر سوءا بينهم من يمارسون الحياد.

كتلة المعارضة التي تضم في جنباتها أيضاً منصات متعارضة مع نهج الثورة في انتقال سلس وسلمي، ويرون في النظام ضرورة مرحلية يجب التأسيس عليها، ومنصة موسكو إحداها وهي تمثل تياراً يتماشى مع الرؤية الروسية في الحل، وأنه يجب أن تعو سيطرة النظام على كامل التراب السوري ولو بمزيد من الضحايا، وأن الفرقاء في المعارضة يخشى من صوت إسلامي بينهم.

وسط هذا الشتات يجري الحديث اليوم على لسان المبعوث الأممي (غير بيدرسون) عن تحقيق اختراقين تضمنا الاتفاق على وثيقة "مدونة السلوك" يلتزم بها المشاركون، وتشكيل اللجنة المصغرة لبحث الإصلاح الدستوري بالرغم من أجواء عدم الثقة..أي أن الأمر لا يتعدى التوافق على عدم كيل التهم والشتائم، والأمر الثاني هو أننا سندخل في باب التأجيل والتأويل والزمن المفتوح.

الأمر المدهش هو استمرار الاجتماعات بالرغم من اتهامات بشار الأسد للمعارضة بأنهم خونة وثلة من المرتزقة والإرهابيين، وأن من يمثلونهم في الاجتماعات هذه يتوافقون مع رأي حكومته لكنهم لا يمثلونها، والطرف الآخر الذي يمثل المعارضة بألوانها ما زال يعتقد أن نقاش دستور جديد قد يفعل سحره فيمن لا يرى فيمن أرسلهم سوى داعمين لرأيه.

في مبارزة الوطنية يعتقد البعض أنه كان يجب على المعارضة أن ترفع صوتها عالياً دون مهادنة تبدو كحماقة سياسية، وأن ملفات أخرى يجب أن تسير مع ملف الدستور كالبحث في ملف المعتقلين وعودة المهجرين وجرائم الحرب بدلاً من تصديع رؤوسنا بخطابات تأكيد وطنيتهم وحبهم لسورية التي يجب أن تقوم من ركامها أسوة بخطباء النظام وعملائه في الخط الثالث.

*عبد الرزاق دياب - من "كتاب زمان الوصل"
(180)    هل أعجبتك المقالة (187)
التعليقات (0)

تعليقات حول الموضوع

لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية
*يستخدم لمنع الارسال الآلي