يختبئ الكثير من ساسة العراق وقادة الميليشيات، ومعهم حشد من المحللين خلف المرجعية الدينية الشيعية خلال تصريحاتهم المبررة للإجرام الذي يرتكب بحق المتظاهرين ولا ينافسه في بشاعته سوى ما تعرض له المتظاهرون في سوريا، علما أن المرجعية الشيعية، مرجعية "السيستاني"، وصفت من يقتلون المتظاهرين بأنهم مجموعات مجرمة تحميها الحكومة، وهذا التوصيف يمثل سقفا مرتفعا في خطاب المرجعية، ويتوافق مع وصف المتظاهرين الذين أكدوا من خلال ما نقلوه للعالم من تسجيلات أن القناصة يتحركون مع القوات الأمنية الحكومية، مع تأكيدهم أن بينهم مجموعات قدمت من إيران.. فهل بدأت المرجعية الدينية في العراق بالتململ من التبعية "السياسية" لإيران، وهل جاء الوقت المناسب لاسترداد هيبة المرجعية العربية "الشيعية" التي صادرتها "قم"؟ الإجابة على الشق الثاني من السؤال، واضحة وبسيطة، فمن المؤكد أن هذا هو الوقت المناسب، فشباب العراق الثائر هم من الشيعة، والقتلة ممن يأتمرون بأوامر إيران، وبالتالي هي فرصة حقيقية ليس فقط للتخلص من التبعية الإيرانية، بل ربما يشكل فرصة "للمرجعيات" لقيادة الحراك كما ساهمت بقيادة ثورة العشرين ضد الاحتلال البريطاني، وإنقاذ الهوية الوطنية العراقية، ومعها الهوية الشيعية العربية التي حولتها إيران إلى وقود في محارقها التي أشعلتها في المنطقة.
أما الشق الأول من السؤال، فمن الصعوبة بمكان الإجابة عليه، فالعراق كله في فم إيران، التي لا تتورع عن استهداف أي مرجع ديني قد يخرج عن السرب، مثلما لا تتورع عن استهداف المراقد الشيعية واتهام السنة، كما حذر الكثير من العراقيين، والبدء بمجزرة طائفية تتغذى عليها الميليشيات المسلحة والأحزاب لسنوات قادمة.
إلا أن ما سيصدر عن المرجعية من موقف في ردها على المجزرة التي ارتكبت في كربلاء "خلال كتابة هذه الزاوية"، وضحاياها عشرات المتظاهرين، سيكون بمثابة مؤشر على التوجه المقبل للمرجعية القادرة على تحريك شريحة كبيرة جدا من العراقيين.
ما يشهده العراق، لا يشكل فرصة للمرجعية الدينية فحسب، بل فرصة للعراقيين المؤمنين بالوطنية العراقية قبل إيمانهم بالانتماءات الدينية، من الذين تم تحجيمهم ووضعهم في حالة "عطالة" تجاه ما يشهده العراق منذ العام 2003، فرصة لاستعادة زمام المبادرة والبدء بالتأثير في الشارع الذي بات جاهزا لاستقبال طروحات غير تلك التي يقدمها معممو إيران وغيرها، لاستعادة الوطنية العراقية، فالاحتجاجات التي تشهدها المدن العراقية وإن رفعت شعارات خدمية، مطلبية، إلا أن حقيقة ما تبحث عنه هو الهوية العراقية الجامعة التي تتناقض مع الطاغوت الإيراني المهيمن على العراق، وهذا لا يخفى إلا على كل أعمى بصيرة.
آن أوان العراق.. حسين الزعبي*

*من كتاب "زمان الوصل"
تعليقات حول الموضوع
لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية