ثمانية أيام عمر الثورة اللبنانية التي نتمنى لها تحقيق المطالب وقلب الطاولة على الفساد السياسي في لبنان ونظام المحاصصة الطائفية الذي لم يعد مقبولاً بعد ثلاثين عاماً من انتهاء الحرب اللبنانية.
تميزت هذه الثورة الجميلة بمشاركة كافة طبقات المجتمع اللبناني فيها، وانخراط النساء بشكل لافت، وهو انعكاس لما يتمتع به الشارع اللبناني من حرية فكرية واجتماعية وانعتاق من قيود اجتماعية كبلت الكثير من نساء بلاد الثورات العربية، لكن ما استغربته حقاً كان ردة فعل بعض السوريين المحسوبين على الثورة من جهة، وعلى مؤيدي النظام السوري على حد سواء.
فالبعض أغرق بتوصيف الحراك اللبناني من باب الإعجاب بأخواتنا اللبنانيات، الشهيرات بجمالهن واعتنائهن بأنفسهن، مبتعدين عن توصيف هدف الحراك وعمقه، وبعيداً عن أهميته وفي هذا الوقت بالذات.
وذهب بعضهم للمقارنة بين أحرار سوريا، وأحرار لبنان، بجمل أشبه ما تكون بلطميات على حظهن العاثر بما احتوته الثورة السورية من إسلاميين ورعاع -على حد تعبيرهم- وسواهم متناسين أن هؤلاء الذين الرعاع هم من قدموا أرواحهم رخيصة على مذبح الحرية، وهم من غيب في سجون النظام، وهم من قضى تحت التعذيب.
أما المعجبون باحتواء الحراك اللبناني لهذا الكم من السيدات تناسوا تماماً كيف بدأت ثورتنا النقية.
عندما خرجت مئات النسوة السوريات ينادين بالحرية ويتقدمن الحراك الثوري منذ بداياته، حيث كان الأمن السوري لهن بالمرصاد، لم يميز بين رجل وامرأة بين طفل وشيخ، بين سيدة وعجوز... فأوغل بالعنف تجاه النساء تحديداً كنوع من تهويل الآخرين بهن، وكانت الحرّات السوريات عرضة للاعتقال والقتل، واستخدم النظام السلاح الأشد ضراوة ضدهن في سجونه، فسُجلت مئات حالات الاغتصاب كوسيلة إذلال للنساء وذويهن، واستخدمت النساء كسلاح ضد الأحرار، فاعتقلت أخوات وبنات وزوجات الثوار، للضغط عليهم بهدف نزع الاعترافات التي يريدها النظام، وترويع لمن بقي خارج الاعتقال، فاغتصبت النساء أمام أزواجهن، وأبنائن، وإخوتهن.
تكالب النظام في سوريا على التنكيل بالنساء السلميات الثائرات بشتى الوسائل، فغيبت الناشطات السلميات اللواتي شاركن بتوثيق انتهاكات النظام في مناطق الثورة أمثال سميرة خليل ورزان زيتونة، وقتلن أخريات تحت التعذيب، وخرجن بعضهن من المعتقل مع أطفالٍ لا يعرفون من آبائهن، نتيجة الاغتصابات المتكررة من الجلادين.
فكيف لك يا عزيزي المعجب بثورة لبنان والمستنكر لثورة سوريا أن تقارن؟
كيف يسمح لك ضميرك بشيطنة الحراك النسوي السوري، وملائكية حراكهن في لبنان؟
يكفي أن أخواتنا في لبنان آمنات في مظاهراتهن، آمنات على حياتهن وفكرهن وتعبيرهن وشرفهن.
لم يك الثائر السوري شيطاناً همجياً، وليس الثائر اللبناني ملاكاً، كلاهما شعب منطقة واحدة ومن يعرف سوريا ولبنان يعرف جيداً تقارب الشعبين حضارياً وثقافياً وانسانياً، لكن الفرق كان دائماً يكمن باختلاف الطبقة الحاكمة في كلا البلدين، ففي حين خنق البعث سوريا بعيد استقلالها، وأرهق البلاد بمعارك دونكيشوتية بحجة المقاومة والممانعة والتنمية والحفاظ على أهداف الثورة (ثورة 1963)، حظي لبنان بحياة سياسية نشطة، وحراك ثقافي واجتماعي حوفظ فيه على صون الحريات العامة واحترامها، حتى في أحلك ظروف الحرب اللبنانية، طلت بيروت منارة حرية التعبير وحرية الصحافة وحرية اختيار الانتماء السياسي، طيلة السنوات الماضية حافظت بيروت على كونها متنفساً للسوري الهارب من سطوة كم الأفواه.
ومع كل ذلك لا يحق لأي منا أن يقارن بهذه السطحية، وهذا الإجحاف بين حراك اللبنانيين الأحرار اليوم، وثورة سوريا اليتيمة، فمن الظلم أن تتغنى بتنوع المشاركين في ساحة رياض الصلح ووصفهم بالحضاريين، وتتناسى الحضارية والسلمية التي بدأت بها الثورة السورية.
هنا شعب متمتع بكامل حريته كل شيئ في نظام ديمقراطي، يطالب بإسقاط الطائفية والفساد، وهناك في سوريا شعب ولد محكوم بقبضة من حديد، كسر حاجز الخوف ليثور مطالباً بالحرية والديمقراطية، وإسقاط الحكم والفساد، خرج مدركاً أن نظاماً لا يرحم ينتظره، مغامراً بحياته خرج ولم يتراجع.
فمن ينسى سلمية باسل شحادة، من ينكر نضال فدوى سليمان وتفانيها، ورقيها، من ينسى دموع مي سكاف وصوتها المتهدج، من ينسى أغاني القاشوش والساروت؟
من ينسى آلاف الشبان والشابات السوريين الذين ملؤوا الشوارع يوماً بالغناء ضد الطاغية... لكن يا سيدي المقارن يا أيها المعجب بالثورة اللبنانية ومستنكراً همجية الثورة السورية لا تنسَ أن القاشوش اقتلعت حنجرته لأنه قال "يلا ارحل يا بشار".
هنيئاً للبنان وللبنانيين ثورتهم التي نتمنى أن تتكلل بتحقيق المطالب وطوبى للدماء، طوبى لكل قطرة دم ولكل مغيب ولكل مغتصبة ولكل شهداء الحرية في ثورة الكرامة والياسمين في سوريا الحزينة.
*من كتاب "زمان الوصل"
تعليقات حول الموضوع
لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية