أدخل كلمات البحث واضغط على إدخال.

لحرية في القرآن الكريم .... خليل صارم

فــــي مواضع كثيرة في القرآن الكريم, يتخذ من النبي الكريم نموذجا يخاطب من خلاله البشرية في تركيز واضح على الأسلوب الأمثل للحوار مع الآخر كائنا من كان هذا الآخر, مشددا على الحرية في القبول أو الرفض لمن يريد أن يؤمن بهذه الرسالة أم لا, دون تهديد أو وعيد, بل بكل لين ورفق ومحبة وحسن خطاب.
إن كافة أشكال القسر والإلزام مرفوضة قطعا كما نص عليها القرآن الكريم ويضرب الأمثلة حتى في التعامل مع الطغاة, ففي مثال التوجيه للنبي موسى وشقيقه هارون ( عليهما السلام) ورد النص التالي:
( اذهبا إلى فرعون انه طغى. فقولا له قولا لينا لعله يتذكر أو يخشى )
43-44 طه.
هذا هو نمط التبشير وأسلوب الدعوة وهذه هي طريقة الحوار(القول اللين ) وان هذا موجه للبشرية جمعاء ولكل من أراد أن يتبوأ موقعا اجتماعيا وسياسيا ودينيا وذلك من خلال الإيحاء بالتوجيه إلى النبي الكريم.
هذا النمط من التوجيه نراه في أماكن كثيرة من القرآن الكريم بحيث لاتكاد تخل’ سورة منه, فضرورة الأخذ بالموعظة الحسنة وإبلاغ الدعوة بالحسنى والحوار المقنع وعدم وجود وصاية لأحد على الآخرين ورفض أي شكل من أشكال العنف في هذا المجال أو غيره والأخذ بكل مايكرس منطق الحرية والتأكيد على احترام الرأي الآخر, كل ذلك ورد بصيغة الأمر تشديدا على هذه الحرية واحترامها وإلزاماُ للنبي الكريم وجميع المؤمنين بهذه الأوامر. خلافا لكل القواعد التي بني عليها النظام السياسي العربي فيما بعد وخلافا لكل افتاءات فقهائه عبر مالا يقل عن أربعة عشر قرنا, وخلافا لكافة تفسيرات غالبية هؤلاء الفقهاء المنحرفة والشاذة للقرآن الكريم ( دستور الرسالة الإسلامية المحمدية, المكتوب والموحى به ) ومنهجها الذي طبق من قبل النبي الكريم .فقد أعطى القرآن الكريم وسيرة النبي الكريم الثابتة والمطابقة للقرآن الكريم ( الحرية ) سواء كانت فردية أم على صعيد المجتمع , هالة من الاحترام بلغت حدود القداسة , مشددا على حمايتها واحترامها ومنع المساس بها من قبل أي كان وحتى من النبي الكريم ., ولا تكاد تخلو سورة من سور القرآن الكريم من التذكير بهذا الحق المقدس.
فالنبي الكريم هو:
رسول الله العلي القدير, وهو بشير ونذير ولا يحق له تجاوز ذلك بأي شكل من الأشكال فيكره الناس على الإيمان والمطلوب منه فقط أن يشرح ويوضح ويدعو معتمدا بذلك على أسلوب الحوار العقلاني المهذب والمنطقي واللين الذي يصل بالنتيجة إلى الإقناع المبني على الفهم والاستيعاب.
أما القسر والإلزام ومصادرة حرية وقناعات الآخرين وقمعهم بزعم نشر الإيمان وحماية الدين فهي أمور محرمة ومرفوضة قطعا بكافة أشكالها وأوجهها وبالنص الحرفي., فالإيمان يجب أن يبنى على قناعة ذاتية من المتلقي تنبع من أسس عقلانية منطقية كي يترسخ ويندمج مع حقائق الحياة بتناغم يزيد من ترسيخه لدى المؤمنين بهذه الرسالة , وهذا ماشدد عليه القرآن الكريم وأوضحه , على عكس مانهج النظام السياسي العربي وبنى عليه أسسه , هذا النظام الذي حمل لواء الرسالة فيما بعد زاعما الإيمان بها ومطبقا كل مايلائم استمرار يته بشكل قسري وعنيف منذ ظهوره للعلن كإمبراطورية وحتى الآن وفي كافة بؤره .
هذا النظام الذي اعتمد قراءة مقلوبة من قبل أعمدته وفقهائه عبر التاريخ ونظر إلى نصوص القرآن الكريم بعيون محدودة الرؤية, قصيرة النظر مستندة على خلفيات ماكرة خبيثة ونوايا سيئة وذلك لطمس الحرية ومفاهيمها الصحيحة تعزيزا لطموحاته في السيطرة, متكئاً بذلك على وصايا فقهائه وآرائهم وفتاويهم التي تبرر كل سلوكيات السلطة والسلطان.
هؤلاء الفقهاء الذين تشبهوا تماماً بحاخامات التلمود ونهلوا منهم, تدعمهم بذلك قواعد شاذة أطلق عليها فيما بعد صفة الأصولية.
إن الله عز وجل يخبرنا ويذكرنا في أكثر من مقام ومقال وحسب نصوص (آيات) القرآن الكريم أنه قادر على أن يجعل الناس جميعا أمة واحدة مؤمنة, لكنه ومن خلال الحرية التي يجب أن يتمتع بها كل فرد وإسباغ هذه الهالة من الحماية عليها والتي قاربت حد القداسة, أفسح المجال واسعا لكل إنسان في استعمال هذه الحرية كي يكون الإيمان نابعا من قناعة ذاتية وكذلك أية قناعة أخرى معاكسة كانت أم متوافقة وإلا كيف يمكن تطبيق مبادئ الحساب من ثواب أو عقاب على قدر التقى والإيمان أو الكفر والإنكار ومخالفة حقائق الطبيعة والكون . وكيف يمكن لمس أثار الالتزام بقواعد الحياة من عدمه وهذا ماسينسحب بآثاره على الفرد والمجتمع على حد سواء,وكل على قدرعمله.
إذاً فبدون تحقق شرط الحرية لايمكن الحديث عن الحساب.
{ ولنستعرض هذه الآيات كما وردت في القرآن الكريم }
( يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله أتقاكم, إن الله عليم خبير ) 13 الحجرات
( فمن شــاء فليؤمن ومن شــاء فليكفر ) 29 الكهف
( ولو شــاء لجمعهم على الهدى ) 35 الأنعام
( ولو شاء ربك لجعل الناس أمة واحدة ولا يزالون مختلفين ) 118 هود
( ولو شاء الله ماأشركوا وما جعلناك عليهم حفيظا وما أنت عليهم بوكيل ) 107 الأنعام
( من اهتدى فإنما يهتدي لنفسه ومن ضل فإنما يضل عليها ولاتزر وازرة وزر أخرى ) 15 الإسراء
( ولو شاء الله لجمعهم على الهدى ) 35 الأنعام
( سيقول الذين أشركوا لو شاء الله ماأشركنا قل فلله الحجة البالغة فلو شاء لهداكم أجمعين )148-149 الانعام .
( ولو شاء ربك لآمن من في الأرض كلهم جميعا أفأنت تكره الناس حتى يكونوا مؤمنين ) 99 يونس
( لااكـــراه في الدين قد تبين الرشد من الغي ) 256 البقرة
( وقل للذين أوتوا الكتاب والأميين أء سلمتم فان أسلموا فقد اهتدوا وان تولوا فإنما عليك البلاغ المبين والله بصير بالعباد ) 20 آل عمران.
( وما أرسلناك عليهم حفيظاً أن عليك إلا البلاغ ) 48 الشورى
( وما أرسلناك إلا مبشرا ونذيرا ) 56 الفرقان
( أرأيت من اتخذ إلهه هواه أفأنت تكون عليه وكيلا ) 43 الفرقان
( إن أنا إلا بشير ونذير لقوم يؤمنون ) 188 الأعراف
( إنما أنت نذير والله على كل شيء وكيل ) 12 هود
( قل ياأيها الناس إنما أنا لكم نذير مبين ) 49 الحج
( إنما الآيات عند الله وإنما أنا نذير مبين ) 50 العنكبوت
( إنما أرسلناك بالحق بشيرا ونذيرا ) 119 البقرة
( وما أرسلناك إلا مبشرا ونذيرا ) 105 الإسراء
( إنا أرسلناك شاهدا ومبشرا ونذيرا ) 45 الأحزاب
( وما أرسلناك إلا كافة للناس بشيرا ونذيرا ) 28 سبأ.
هكذا يتضح تماما مفهوم الحرية كما كرسها القرآن الكريم فكيف بعد ذلك كله نجد من ينصبون أنفسهم أوصياء على الناس ويوزعون الكفر والإيمان في كافة الاتجاهات ويفتون بتكفير الغير أفرادا وشعوبا مبررين القتل والمجازر وكافة انتهاكات حقوق الإنسان , صحيح أن كل شيء يخضع لمشيئة الله عز وجل ولكنه تعالى يخبرنا بالنص أنه قادر على أن يجعلهم كافة مؤمنين أو مشركين .. فلماذا لم يفعل ذلك ويجيب عزوجل (إن لله الحجة البالغة في ذلك ) كما رأينا في الآية من سورة الأنعام .
وهنا تتضح الغاية التي ألمحنا إليها وهي أنه ( تعالى ) لو جعلهم يؤمنون جميعا أو يشركون جميعا كيف يتأتى بعد ذلك تطبيق مبادئ الثواب والعقاب وأين نذهب بقاعدة ( ولاتزر وازرة وزر أخرى )
والواضح هنا بشكل جلي إن مبدأ العقاب والثواب يستند إلى حرية الاختيار واتخاذ القرار والإرادة الحرة الواعية في ذلك , وهكذا ذهبت القوانين الوضعية وإلا فما الحاجة إليها أصلا إذا لم يكن للإنسان يد في تصرفاته وسلوكياته أو مكتوب عليه ارتكابها منذ الأزل كما ذهبت إليه بعض الاتجاهات الفكرية الدينية , إذاً لأصبحت حتى القوانين الوضعية تدخل في خانة الكفر والإلحاد لأنها وفق هذا المنطق مخالفة لمشيئة الله .
من جانب آخر فان النص كما رأينا يؤكد أن الله تعالى لم يفوض أحدا بمن فيهم الأنبياء والرسل بإلزام الناس باعتناق الرسالات والإيمان بها , فلا إكراه في الدين بعد أن تم توضيح الخطأ من الصواب والحق من الباطل والرشد من الغي , وعلى الإنسان أن يختار أي من النجدين وبالتالي فهو المسؤول أمام الله تعالى فقط عن هذا الاختيار وهو الذي يتحمل نتائج خياراته لوحده دون غيره
إن فرض احترام الحرية إلى هذا الحد يقطع الطريق على أي كان البحث في قضايا الكفر والإيمان لأن هذا من اختصاص الله تعالى وحده والفصل فيها محصور به تعالى ولا يوجد تفويض لأحد بذلك.
والواضح أن قضية الكفر والإيمان مرتبطة بالعلم والجهل, لذا فإننا نجد في القرآن الكريم الكثير من الآيات التي تحرض العقل الإنساني على التفكير والبحث والاستقصاء, وبالتالي فانه يتوجب على الإنسان الفرد وحده أن يقرر موقفه بكامل حريته واختياره.
مع ذلك ووضوحه وضوح الشمس في رابعة النهار, فقد صودرت الحرية تماما وتعطلت الإرادة والتي هي أساس الحياة وأساس رقي المجتمعات وتطورها وحجر على العقل تماما, بأيدي من وصفوا بالفقهاء الذين نحوا كل هذه النصوص القرآنية الملزمة بإحترام الحرية جانبا تحت زعم الكفر والإيمان وحماية الدين من الضلال والكفر شاهرين تهم التكفير والزندقة بوجه كل من حاول استعمال العقل والمنطق والتمسك بحقائق الحياة وقواعدها الثابتة واختلف مع منطقهم المخالف للعقل وللنص ومع تفسيراتهم المنحرفة والشاذة ومع سلاطينهم سلاطين الجور والظلم وثار بوجه الظلم والاستعباد , مصححين لله ورسوله الكريم بما افترضته أطماعهم ونزعة خدمة السلطان الجائر وتبريرا لكل سلوكياتهم المنحرفة ليبنوا إمبراطورية قائمة على الفتح المسلح ونهب ثروات الشعوب واستعبادها تحت شعار نشر الإيمان !!! وأي إيمان ؟؟؟
إيمان السلاطين وآلاف الجواري والإماء والعبيد والخصيان وتكديس الثروات والذهب وتوزيع الاقطاعات على قادة الجند وبناء الأمجاد الشخصية إنتقاماً., والتي ارتدت على الأمة أحقادا وردود أفعال وتقسيم جرى فيما بعد إنتقاما وحصدتها الأجيال اللاحقة., فعندما سنحت الفرصة لهذه الشعوب ولهؤلاء الخصيان المستعبدين ارتدوا على مستعبديهم السلاطين ليسيطروا على الإمبراطورية ثم اجتاحوها انتقاما , ولو كان هؤلاء الفقهاء وسلاطينهم مؤمنين بالرسالة التي رفعوا لوائها زورا وبهتانا لتابعوا نشرها وفق أسلوب رسول الله (ص) المبني على الحوار الذي يؤدي إلى الإقناع والاقتناع باللين والمحبة
( ولدخل الناس في دين الله أفواجا ) برضا وقناعة دون الحاجة للفتح المسلح فالناس تهتم بما تراه من نموذج التطبيق على أرض الواقع وسلوك المؤمنين بهذه الرسالة فان كان مطابقا لمضامينها ومنها مضمون منظومتها الأخلاقية أخذوا بها وأسرعوا إليها فاتحين قلوبهم, أما الفتح المسلح فانه قد يخضع الشعوب لبعض الوقت, لكن هذه الشعوب ستنتظر الفرصة السانحة للاقتصاص والانتقام من خلال الانقضاض على الإمبراطورية وهذا ماحدث فعلا.
إن المدقق في التاريخ عبر مايقارب الأربعة عشر قرنا يلمس هذا الانحراف الرهيب عن مضامين الرسالة الإسلامية المحمدية الراقية بحيث أن الابتعاد والانحراف كان يزداد بخط تصاعدي مع مرور القرون , ففي الوقت الذي كان يجري فيه دفن أسس هذه الرسالة وأهدافها النبيلة ومنظومتها الأخلاقية التي بنيت عليها كما حفظها لنا القــرآن الكــريم ,كان هناك فكر بديل منحرف, مشوه يتنامى ويجري ترسيخه برعاية سلطة الإمبراطورية وفقهائها التي نشأت تحت عباءة الرسالة ورفعت لوائها زورا وبهتانا.
هذا الفكر المنحرف اعتمد أساسا على إعطاء الشعائر الأهمية القصوى دون المضمون وأضاف وابتدع شعائرا أو تفصيلات معقدة لهذه الشعائر جرى نسجها بكل صبر وأناة بأيدي ماكرة ومجرمة ابتدعت المزيد من التجزئة لها مترافقة بوجهات نظر جديدة تثير الجدل العقيم مع كل تجزئة تظهر وهكذا دواليك بمتوالية هندسية لانهاية لها.
إن الخلافات وتعدد وجهات النظر حول أساليب تطبيق الشعائر قد أسس لخلافات أعمق وأبعد تأثيرا كانت كلها بفعل السلطة وتخطيط فقهائها, سميت فيما بعد مذاهبا وألصقت بأسماء لاعلاقة لها بها وهذا ماسنراه فيما بعد.
** ** **

(130)    هل أعجبتك المقالة (140)

عزام الحايك

2007-09-06

اقبل يديك على هذا الكلام سيد خليل .


خليل صارم

2007-09-07

لايوجد في هذا العالم من يستحق تقبيل اليدين ياعزيزي .. هي مجرد وجهة نظر . واشكرك على مرورك سيد عزام . .


التعليقات (2)

تعليقات حول الموضوع

لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية
*يستخدم لمنع الارسال الآلي