تعددت في الآونة الأخيرة حوادث الموت نتيجة الاحتراق والتعرض للنيران ما أثقل كاهل رجال الأمن الجنائي والقضاء والأطباء الشرعيين.
لأنهم المعنيون في إثبات الوقائع وإظهار الحقائق التي لا تبدو جلية من الوهلة الأولى, وكثيراً ما كانت هذه الوفيات مغايرة تماماً لواقعها وبعيدة عن الأسباب الظاهرة للعيان... والقضية التي نعرضها اليوم في ظاهرها موت محتم لرجل ناتج عن حريق شب في أحد المنازل, أما خفاياها فهي جريمة بشعة مستكملة البناء والإعداد والنيات, وما الحريق الحاصل ظاهرياً إلا الحلقة الأخيرة في تنفيذها أملاً من المجرم إخفاء الحقائق ودفن الأدلة مع رماده وإضاعة معالم الجريمة وتضليل العدالة والمجتمع وإبعاد الشبهات وبالنتيجة تنفيذ مآربه دون أن تطوله يد العدالة ويكون منأى عن المحاسبة والعقاب, فالقضية بدأت عندما طلب القاضي التحقيق من الطبيب الشرعي الدكتور بسام يونس المحمد أن يبين سبب وفاة جثة محترقة وزمنها.. واليكم ما قاله الدكتور بسام:
كعادتي أجريت توضيحاً دقيقاً للمكان المحيط بالجثة وكذلك للجثة بالتعاون مع قاضي التحقيق وبعدها نقلت الجثة إلى مركز الطب الشرعي, وهناك أخذت من الجثة عينات نسيجية ودموية لأعرف ما إذا كان هناك تسمم كحولي أولاً أو آثار للأدوية المنومة أو المخدرات وذلك حتى أتأكد إذا كانت الضحية تحت تأثير أي مخدر أو مادة سامة لحظة الاحتراق, وقمت أيضاً بفحص الثنايا في جسد الجثة وخاصة الجلد عند الزوايا الخارجية للعنين وتأكدت من عدم وجود كدمات أو سحجات أو بقايا هباب الفحم في الفم والرغامى والقصبات ومدخل الأنف, بعد سلسلة من الإجراءات والتحاليل والاختبارات والفحوصات الطبية بالتعاون مع مخبر التحليل الجنائي توصلت إلى الحقائق التالية: إن الجثة لرجل في العقد الرابع من العمر, تعرض لتسمم بمادة أملاح الزرنيخ لأن بقايا هذه المادة ظهرت بكميات كبيرة عند الفحص المخبري لعينة من أمعائه تكفي لقتل إنسان بشكل سريع وأظهرت الفحوصات أن الوفاة حصلت قبل الحريق بساعتين على الأقل, والذي يثبت هذه الفرضية عدم وجود هباب الفحم في الرغامى والقصبات ومدخل الأنف, والذي يشاهد دائماً بالجثث المحترقة نتيجة لتنشق الإنسان المحترق لهذا الغاز قبل موته, وأيضا هناك احتراق كامل للجلد حول العينين وعدم تشكيل الثنيات التي تمنع وصول النار الى بعض مناطق الجلد, وهذا ما يفسر انعدام أي مقاومة لهذا الرجل باتجاه النيران أو محاولة تحاشيها ما يثبت شلل الجسم بشكل كامل وعدم قدرته على الحركة, أي أن هذا الرجل ميت قبل أن يحترق, وهناك اشتباه جرمي في هذه الحالة.. بعد ذلك قدمت تقريري كاملاً شارحاً فيه وجهة نظري العلمية مع الاستنتاجات إلى قاضي التحقيق ليبدأ عمله وتحققه مستنداً إلى وقائع واستنتاجات علمية, وبعد رحلة طويلة من التحقيقات الجنائية تبين لاحقاً أن الضحية كانت فريسة لعملية نصب واحتيال تم استدراجها إلى هذا المنزل ومن ثم تطورت إلى جريمة قتل عن طريق وضع السم القاتل في الطعام وأن الجاني بعد أن تأكد من موت الضحية, افتعل حريقاً سرعان ما انتشر في أرجاء البيت...
وبعد أن تأكد (حسب ظنه) أن جريمته اكتملت سارع بطلب النجدة من الجيران وتظاهر انه يحاول جاهداً أن يطفئ الحريق دون جدوى, ولكن العدالة الإلهية لا بد لها من موقع في حياتنا, وبفضل الخبرة والعلم الذي تتسلح به هذه الشريحة من الأطباء الشرعيين استطاعت السلطات القضائية تحقيق العدالة التي نتمناها للجميع. وبعدها ألقي القبض على الجاني وأودع السجن لينال جزاءه العادل.
تعليقات حول الموضوع
لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية