يعيش السوريون صراعا على وسائل التواصل الاجتماعي وربما بشكل شخصي في المهاجر، لا يقل ضراوة عن الصراع العسكري الذي تشهده منطقة شمال شرق سوريا، أو مناطق شرقي الفرات، بحسب التسمية العسكرية، وكردستان سوريا، أو كردستان الغربية بحسب "الصقور" من الانفصاليين الأكراد، أو منطقة الجزيرة السورية كما يفضل تسميتها عرب المنطقة، وروج آفا بحسب الإدارة الذاتية، أو مناطق الأكراد بحسب الأكثر تداولا في وسائل الإعلام.
كل شيء حاضر في هذه التسميات باستثناء سوريا، التي إن جاءت، فإنها تأتي ملحقة، وهذا "الإلحاق" في معظمه لا يحضر من باب التوصيف الجغرافي، بل في معظمه استنادا للانتماء السياسي، والهوية المراد ترسيخها خارج الهوية السورية الجامعة التي باتت بلا رصيد على أرض الواقع، فأعلام إيران باتت تغطي أزقة دمشق وحواريها العتيقة، بينما تتكفل الأعلام الروسية بتغطية القسم الآخر، بل لا يتورع الكثيرون من "السوريين" من التباهي برفعها في المناسبات الاحتفالية وما أكثرها في مناطق النظام.. فـ"المنجزات" تستحق.
أما في مناطق المعارضة فالأمر لايقل بشاعة، فالعلم السوري، علم الثورة، مرفق بالعلم التركي في مناطق درع الفرات وغصن الزيتون، ناهيك عن صور "الأخ" التركي أردوغان.
وفي إدلب تحضر أعلام تحرير الشام مع العلم السوري، وإن قل تواجد علم تحرير الشام، فإنما قل بعد صراع مرير خاضه الأهالي ونشطاء الثورة في سبيل جعل علم النجوم الثلاث أكثر حضورا، فيما يطغى في شمال شرق سوريا العلم "الأصفر" وفي وسطه بقعة بيضاء "خريطة سوريا" فضلا عن انتشار صور "الرفيق" التركي الكردي عبد الله أوجلان.
هذه التسميات والرموز ليست مجرد كلمات، بل هي مؤشرات لضياع الهوية السورية، التي لم تكن موجودة بالمعنى الحقيقي منذ أن باتت سوريا، "سوريا الأسد"، بل ربما قبل ذلك، وقد لا يكون صيغة مبالغة القول إن الهوية السورية المجتمعية لم تكن موجودة أصلا في بلد لا تتجاوز مساحته 185 ألف كم مربع، غالبية سكانه من دين واحد ومن عرق واحد، أما حالة التنوع و"الفسيفساء" الذي يفترض أنه تمثل حالة جمالية رافدة، فباتت من عوامل تمزيق بقايا هوية، ليس في الداخل السوري فحسب، بل في بلدان اللجوء أيضا. بالعودة إلى الصراع "الضاري" الذي فجرته العملية العسكرية التركية بكل ما يحمل من "أغلفة وطنية" مصطنعة مرة باسم الحرص على المدنيين، وهو حرص انتقائي، ومرة باسم الوطنية السورية، وهي ستبقى كاذبة ما لم يعنِك، ككردي، السوري العربي القاطن في أقصى الجنوب السوري قبل أي كردي في العالم، والعكس حتمي.. وإلا فعلى القابعين على ضفتي الصراع أن يصمتوا.
فتش عن الهوية.. حسين الزعبي*

*من كتاب "زمان الوصل"
تعليقات حول الموضوع
لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية