أدخل كلمات البحث واضغط على إدخال.

فتش عن الهوية..‏ حسين الزعبي*

من إدلب - الأناضول

يعيش السوريون صراعا على وسائل التواصل الاجتماعي وربما بشكل شخصي في المهاجر، لا يقل ضراوة عن ‏الصراع العسكري الذي تشهده منطقة شمال شرق سوريا، أو مناطق شرقي الفرات، بحسب التسمية العسكرية، ‏وكردستان سوريا، أو كردستان الغربية بحسب "الصقور" من الانفصاليين الأكراد، أو منطقة الجزيرة السورية كما ‏يفضل تسميتها عرب المنطقة، وروج آفا بحسب الإدارة الذاتية، أو مناطق الأكراد بحسب الأكثر تداولا في وسائل ‏الإعلام.‏

كل شيء حاضر في هذه التسميات باستثناء سوريا، التي إن جاءت، فإنها تأتي ملحقة، وهذا "الإلحاق" في معظمه لا ‏يحضر من باب التوصيف الجغرافي، بل في معظمه استنادا للانتماء السياسي، والهوية المراد ترسيخها خارج الهوية ‏السورية الجامعة التي باتت بلا رصيد على أرض الواقع، فأعلام إيران باتت تغطي أزقة دمشق وحواريها العتيقة، بينما ‏تتكفل الأعلام الروسية بتغطية القسم الآخر، بل لا يتورع الكثيرون من "السوريين" من التباهي برفعها في المناسبات ‏الاحتفالية وما أكثرها في مناطق النظام.. فـ"المنجزات" تستحق.‏

أما في مناطق المعارضة فالأمر لايقل بشاعة، فالعلم السوري، علم الثورة، مرفق بالعلم التركي في مناطق درع الفرات ‏وغصن الزيتون، ناهيك عن صور "الأخ" التركي أردوغان.

وفي إدلب تحضر أعلام تحرير الشام مع العلم السوري، ‏وإن قل تواجد علم تحرير الشام، فإنما قل بعد صراع مرير خاضه الأهالي ونشطاء الثورة في سبيل جعل علم النجوم ‏الثلاث أكثر حضورا، فيما يطغى في شمال شرق سوريا العلم "الأصفر" وفي وسطه بقعة بيضاء "خريطة سوريا" ‏فضلا عن انتشار صور "الرفيق" التركي الكردي عبد الله أوجلان.‏

هذه التسميات والرموز ليست مجرد كلمات، بل هي مؤشرات لضياع الهوية السورية، التي لم تكن موجودة بالمعنى ‏الحقيقي منذ أن باتت سوريا، "سوريا الأسد"، بل ربما قبل ذلك، وقد لا يكون صيغة مبالغة القول إن الهوية السورية ‏المجتمعية لم تكن موجودة أصلا في بلد لا تتجاوز مساحته 185 ألف كم مربع، غالبية سكانه من دين واحد ومن عرق ‏واحد، أما حالة التنوع و"الفسيفساء" الذي يفترض أنه تمثل حالة جمالية رافدة، فباتت من عوامل تمزيق بقايا هوية، ليس ‏في الداخل السوري فحسب، بل في بلدان اللجوء أيضا.‏ بالعودة إلى الصراع "الضاري" الذي فجرته العملية العسكرية التركية بكل ما يحمل من "أغلفة وطنية" مصطنعة مرة ‏باسم الحرص على المدنيين، وهو حرص انتقائي، ومرة باسم الوطنية السورية، وهي ستبقى كاذبة ما لم يعنِك، ككردي، ‏السوري العربي القاطن في أقصى الجنوب السوري قبل أي كردي في العالم، والعكس حتمي.. وإلا فعلى القابعين على ‏ضفتي الصراع أن يصمتوا.‏

*من كتاب "زمان الوصل"
(186)    هل أعجبتك المقالة (195)
التعليقات (0)

تعليقات حول الموضوع

لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية
*يستخدم لمنع الارسال الآلي