أدخل كلمات البحث واضغط على إدخال.

لماذا يودعون سوريا التي يعرفونها..؟*

من معارك الشمال - جيتي

منذ بدأ الهجوم التركي على شمال سوريا، خرج جمع غفير من السوريين على وسائل التواصل الاجتماعي، ليقول: وداعا لسوريا التي نعرفها.. وقبلها بأربع سنوات، ذات الجمع ودع سوريا التي يعرفها، عندما تدخلت روسيا إلى جانب النظام، ونفس الشيء حدث، قبلها بأربع سنوات عندما زجت إيران بمليشياتها وأخذت تعمل في الشعب السوري قتلا وتدميرا..وتقريبا مع كل تحول كبير أو صغير في الأزمة السورية، لا بد أن يخرج سوريون ليودعوا سوريا التي يعرفونها، على الرغم من أن أغلب هؤلاء يعيشون خارجها منذ عدة سنوات، وأسوأ كوابيسهم هي رؤية أنفسهم يعودون إليها تحت أي ظرف، وبالذات ممن يقيمون في أوروبا وأمريكا وكندا، حتى لمن يقيمون في الصومال، لم يعد حلم العودة يدغدغهم إلى هذا الحد.

كل ما هنالك، أن هؤلاء لا يريدون العودة إلى سوريا إلا سائحين، لكنهم يبحثون عن حجة بأن البلد التي يعرفونها تغيرت.. مع أن التغيرات التي تعرضت لها سوريا ما قبل حكم حافظ الأسد وما بعده، هي سبب لما يحدث الآن، وكان الأولى بهم لو ودعوها منذ ذلك التاريخ.

التقيت قبل نحو شهرين بأخ عراقي في تركيا، وعرفت منه أن هناك جالية عراقية كبيرة استوطنت تركيا منذ العام 2003، بعد الغزو الأمريكي مباشرة، وحصلوا على جنسيتها، وأنهم مروا بجميع المراحل التي مررنا بها، من احتراق أعصاب وخذلان، وشعور بعدم الانتماء إلى أي تيار أو جماعة في بلدهم، إلى أن وصلوا إلى مرحلة ما عادوا يشعرون فيها بالانتماء للبلد ذاته، ولا يرغبون بالعودة إليه، لأنه لم يعد الوطن الذي يعرفونه.. ثم أوقع نفسه بالفخ عندما أخبرني أنه يعيش في تركيا منذ 13 عاما، بشكل أفضل بكثير مما كان عليه في العراق، وهو حال أغلب العراقيين الذين غادروا بلدهم بحسب قوله. وأعجبتني نصيحة ذلك الأخ للسوريين، أن اتعبوا على تربية أبنائكم..فهم مهما صهرتهم البلاد الغريبة واللغة، سوف يوصفون في النهاية بأنهم سوريون، أو على الأقل من أصول سورية.. ثم قال لي: ألا يوجد في سوريا، كما العراق، قوميات وأقليات كثيرة، يعيشون فيها منذ عشرات السنين، وبعضهم منذ مئات السنين، ومع ذلك لازالوا يعتزون بتلك القوميات ويفضلون الانتساب إليها.. ما المانع أن نعيش في بلد آخر، مثلهم ..؟! أسهل شعور هو الاستسلام .. مع أنه في كثير من الأحيان مريح.. لكن ماذا سنقول لأولئك الذين أصبحوا يعتاشون من مواقفهم السياسية..؟ أو أنهم أصبحوا يملؤون الفراغ الذين يعيشون فيه، بالموقف السياسي..؟! رد علي الأخ العراقي: صدقني كل ذلك سوف ينتهي عندما يجدون مهنا أخرى يشغلون أنفسهم بها.

وختم بالقول: كفاكم خذلانا يا أخي..انتهبوا لحياتكم ومعيشتكم وأبنائكم، فهو أفضل ما ستقدمونه لمستقبل بلدكم، إذا كان إلى هذا الحد يعنيكم مستقبله.. ليتني وقتها تذكرت وقلت له: ومن سيقول وداعا لسوريا التي نعرفها بعد اليوم..؟

*فؤاد عبد العزيز - "زمان الوصل"
(237)    هل أعجبتك المقالة (214)
التعليقات (0)

تعليقات حول الموضوع

لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية
*يستخدم لمنع الارسال الآلي