قد يبدو عنواناً أصفر أو مارقاً في أيام ينفث فيها السوريون على اختلافهم دم خلافاتهم، ويخوض العالم فيه كل صراعاته في الكيلومترات التي ستمتد إليها النار بعد حين داخل التراب السوري الذي شبع دماً ومفاوضات ومؤامرات وتصفية حسابات.
ليلة الأمس كانت معارك أخرى غير تلك على الأرض تدور في فضاء الإعلام بأنواعه وولاءاته، والمسيس منه كان يعبر دون خجل عن صراعات لا يد للسوريين فيها سوى أنهم سكان تلك الأرض التي تصلح لأن تكون ساحة معركة لا تنتهي، وأما مواقع التواصل، فشهدت حروباً أخرى فرسانها السوريون أنفسهم بين غاضب ومؤيد وهامس وصامت.
في السياسة ومنابرها ومؤسساتها الدولية يخوض الغرب معركته الأزلية مع تركيا الطامحة لأن تكون بين الكبار اقتصادياً وعسكرياً، وتفتح أوروبا العجوز كل (كهنها) التاريخي، وتستصرخ إنسانية العالم خائفة على مصير الأقليات السورية التي سوف تذبح في شرق سوريا.
الروس والإيرانيون أخذوا دور (المزهرية) وكأنهم في كوكب آخر ينتظرون أن يجمعوا من حطب الحرب بعض عيدان النصر يرممون به صورتهم البشعة لدى السوريين في أن ضيفاً جديداً انضم إلى لوحة القتل الجماعية، وأنهم يصمتون لحلم حليف لهم يخشى على حدوده من تطرف قومي خطير.
الأمريكي الذي خلط الأوراق عبر (تويتر) في تصعيد محموم تارة، وتهدئة ماكرة تارة أخرى يخوض معاركه الداخلية والخارجية غير آبه بما يجري على أرض يعتبرها مجرد مكان لحروب قبلية.
العرب تنادوا بالأمس إلى خيمتهم لإدانة العمل العسكري التركي، وليخرجوا ببيان لدى أرشيف الجامعة العربية نسخ كثيرة منه، وسيختارون كعادتهم البيان الذي يتضمن أكثر عبارات الشجب والتضامن، والمحشو بدمع ذوي القربي والدم الواحد.
النظام خرج بتصريحات مضحكة عن وحدة التراب السوري والدفاع عنه، وأما مؤيدوه فبين شامت ومخوّن، وبين من يستنهض همم الجيش لتحرير الجزيرة والوقوف في وجه الغزو التركي، وقلة ترى أن ليس في اليد حيلة.
أما السوريون فقد أخذوا قرارهم قبل أيام من بدء المعركة، وقد استلوا سكاكين ثاراتهم، وألسنة التخوين والتخويف والانتقام، وأعادوا نشر صور القتلى الذين حملتهم عربة الدبابة الكردية لتجوب شوارع (عفرين) ذات يوم ليس بالبعيد مستذكرين حكايات تهجير القرى العربية، وتجنيد ابنائها في "سوريا الديمقراطية" مقابل لقمة العيش.
الأكراد من جانبهم هاجموا من اسموهم "عبيد أردوغان"، ورواية التغيير الديموغرافي، والقضاء على حلم (روج آفا) رمز العلمانية، ونموذج الفيدرالية السورية، والحرب التي يشنها التركي على الأقليات الآشورية والسريانية والكردية في شرق الفرات الحزين.
طيف آخر أعلنها هذه المرة علانية أن ما يجري هو حرب أهلية سورية حقيقية وإن حملت تسميات وطينة أو إنسانية، وأن ما يخفيه السوري طوال سنوات الحرب تعلنه هذه المعركة الأخيرة.
سوريا القادمة إن حصلت لن يكون فيها أي تعايش بين مكوناتها التي تستمد من الثأر والكراهية نار حروب قادمة.
وحده "أسعد الزعبي" بالأمس على قناة "العربية" هرب من انفعالاته دون شتيمة واحدة عن الأكراد (البويجية)، ومارس دور المحلل العسكري الوطني متلمساً رضا السعودية ودون أن يجرح الأتراك.
"نبع السلام" السوري.. أسعد الزعبي مثالاً*

*عبد الرزاق دياب - من "كتاب زمان الوصل"
تعليقات حول الموضوع
لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية