لا يمكن وصف ما يقوم به شباب العراق من انتفاضة بوجه الفساد بكل مسمياته وأوله السياسي إلا بالعملية الفدائية، فهم يصرخون بوجه إيران وهم مطوقون بأذرعها العسكرية والدينية والإعلامية، ومن الخارج، يخيم صمت على الشارع العربي ومثقفيه، يرافقه تغطية إعلامية خجولة لانتفاضة قوبلت بالحديد والنار منذ يومها الأول، بل هي الأكثر تعرضا للعنف مقارنة بثورات الربيع العربي استنادا لعدد الضحايا الذين سقطوا خلال بضعة أيام من انطلاقتها.
انتفاضة شباب العراق، هي أخطر ما يواجه، منظومة فساد أفقدت العراق هيبته ودوره التاريخي في المنطقة وجعلت منه محافظة تابعة لإيران ومزقت نسيجه المجتمعي الذي بقي متماسكا مئات السنين، وأفقرت شعبه، وجهلت جيلا بأكمله، وبات العراق معها فاقدا لأي حضور دولي إلا من خلال النافذة الإيرانية أو على مؤشرات الفساد والفقر، هذه الانتفاضة هي الأخطر على منظومة الفساد لأن من يتصدرها هم عراقيون شيعة، ثاروا ضد منظومة شيعية حاكمة متكئة على شريحة المستفيدين من الطوائف كلها، وهذا ما أفشل محاولات "تطييفها" واللعب على ثنائية "الروافض" و"النواصب"، واستحضار "الحسين" و"يزيد"، وهو ما تطرب له أذن إيران صاحبة القول الفصل، هذه المحاولات ورغم فشلها إلا أن القائمين عليها لم يتوقفوا ولن يتوقفوا عن العزف على وترها مرددين مفردات الوهابية والمندسين والبعثيين والدواعش وغيرها من المفردات التي وجد فيها حيتان الفساد منذ العام 2003 مدخلا لتدجين الشعب ووضع مكوناته في حالة مواجهة مع بعضها البعض مرة على الجبهة الطائفية وأخرى على الجبهة القومية حتى تقزمت الولاءات من العراق الوطن إلى الطائفة فالحزب وصولا إلى الميليشيا التي باتت الحاكم الحقيقي للعراق وفق الإملاءات الإيرانية.
انتفاضة شباب العراق، أدت ما هو مطلوب منها، وصرخت بوجه الفساد وبوجه من يقف خلفه في طهران وقم، وهذا بحد ذاته عمل فدائي في مواجهة ميليشيات مسلحة بما يفوق أسلحة الجيش العراقي، ميليشيات لم تتورع عن قتل أكثر من مئة شاب خلال أربعة أيام، ومرجعية دينية تسعى لإفقاد الحراك حاضنته الشعبية ورئيس حكومة وضعته إيران، ورئيس كتلة برلمانية يجلس عند أقدام خامنئي، أما رئيس البرلمان، فحضوره مثل عدمه، في حين بعد أسبوع من المجزرة يخرج "رئيس" الجمهورية ليلقي كلمة وكأنه محلل سياسي حرص على الظهور بكامل أناقته على واحدة من الفضائيات لمناقشة أحداث العراق. في العراق، ان استمر الشباب في انتفاضتهم فهذا خيارهم، وإن توقفوا فلهم عذرهم، وان تآمر عليهم الساسة وقادة الميليشيات فهم يدافعون عن مصالحهم ووجودهم، لكن ما هو عصي على الفهم لماذا يصمت المثقف العربي عما يجري في العراق، علما أن ما يجري هو مواجهة مع إيران التي يحملها هذا المثقف مسؤولية كل شرور الأرض.
ثورة العراق.. صرخة بوجه إيران*

*حسين الزعبي - من كتاب "زمان الوصل"
تعليقات حول الموضوع
لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية