أدخل كلمات البحث واضغط على إدخال.

انتحار على بوَّابة مقبرة... ماهر شرف الدين

ذهب إلى أكثر الأمكنة شبهاً بذلك البلد... ذهب إلى المقبرة

انتحارٌ على بوَّابة مقبرة. لو سمع أحدنا بهذه الجملة – قبل معرفته بحكاية الطفل السوري وائل السعود – لظنَّها عنواناً لفيلم تراجيدي، أو جملةً مفتاحيةً لرواية ملحمية.

فلا يمكن أن يخطر في بال المرء، عادةً، أنَّ طفلاً في التاسعة من عمره يستطيع أن يصنع – بجسده الضئيل - عنواناً بهذه الضخامة. لا يمكن أن يخطر في باله أنَّ طفلاً صغيراً في وسعه أن يتوجَّه إلى المقبرة ليشنق نفسه على بوَّابتها.

تعرَّض الطفل السوري اللاجئ وائل السعود إلى شتَّى أنواع التنمُّر العنصري في مدرسته التركية في ولاية كوجالي. كان السوري الوحيد في الصفّ، وقد وقع ضحيَّة تسلُّط المعلّم عليه – على الرغم من تفوّقه الدراسي – وضحيَّة عداء زملائه في المدرسة الذين كانوا يُسمعونه يومياً أشدَّ العبارات عنصريةً، مطالبين إيَّاه بالعودة إلى بلده.

في يومه الأخير، بحياته القصيرة كبرقيَّةٍ، وبَّخه معلّمه لسببٍ تافهٍ، وتوعَّده زملاؤه في الصفّ بالويل إذا عاد إلى مدرستهم.

لم يكن في وسع الطفل العودة إلى سوريا مثلما طالبه زملاؤه، كما لم يكن في وسعه فهم حملة الكراهية المنظَّمة التي تجتاح تركيا ضدَّ اللاجئ السوري.

المكان الوحيد الذي كان قادراً على الذهاب إليه في ذلك اليوم هو المقبرة. وقد اختار بوَّابتها ليربط بحديدها الحبلَ الذي اختلط معناه، في اللحظات الأخيرة، بين كونه حبلَ موتٍ وكونه حبلَ نجاةٍ.

في سنواته التسع لم يخترْ هذا الطفل شيئاً بنفسه، لا اللجوء ولا المدرسة ولا الرفاق. اختياره الأوَّل في حياته كان باباً لمقبرة، وحبلاً وجدَ التعلُّق به خيراً من التعلُّق بحبال حياةٍ جَلْببها الذلّ والهوان.

الأطفال السوريون الذين تناقلت الأخبار مآسي مذبحتهم في الحرب طوال السنوات الفائتة، خرج من بينهم طفل اسمه وائل السعود قرَّر أن يضع حدَّاً لحياته بنفسه. لقد نفَّذ رغبةَ أقرانه في المدرسة حين طالبوه بالعودة إلى بلده سوريا، فذهب إلى أكثر الأمكنة شبهاً بذلك البلد... 

ذهب إلى المقبرة.

*شاعر وكاتب سوري - من كتاب زمان الوصل
(243)    هل أعجبتك المقالة (235)
التعليقات (0)

تعليقات حول الموضوع

لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية
*يستخدم لمنع الارسال الآلي