هامش 1: تشكل اللامركزية الإدارية علاجاً للمشاكل السياسية، فهي تتيح للدول المتعددة القوميات والديانات من إدارة شؤونهم بأنفسهم مما يتيح لهم نوعاً من التجانس يسمح لهم بالتميز في خدمات مرافقهم الثقافية، فيقلل من معارضتهم للنظام الذي لا يستطيع استيعابهم في المرافق المركزية، كما يساعد الحكومة المركزية على الصمود أمام العدوان الخارجي والثورات الداخلية من حيث إنه يخلق بديلا مؤهلا لاستمرار عمل الحكومة المركزية من أي إقليم من الأقاليم في حالة سقوط العاصمة.
هذا الهامش الذي تضمنته مادتي الأسبوع الفائت "اللامركزية الإدارية هي الحل"، ولم أرفق معها شرحاً لما أراه في آلية تطبيق هذا التعريف الجاف على أرض الواقع في سوريا.
من وجهة نظري أرى أن اللامركزية الإدارية قد تكون هي الحل المنطقي، والذي من شأنه امتصاص الاحتقان الحاصل في البلاد منذ عقود، ومن شأنه أن يكون حلاً لما تعانيه سوريا اليوم من انقسامات ومظلوميات تحملها كل فئة منا، وتعتبرها قضية مصيرية لا بد من حلها بطريقة تتوافق وأهواء المجموعات سواء القومية أو الدينية.
وعليه تعرضت لكثير من الأسئلة من أصدقاء ومتابعين تتلخص بسؤالي: هل أروج لإدارة ذاتية أو استقلال إداري لإخوتنا الأكراد؟ أو أروج لاستقلال إداري لطوائف معينة في سوريا كالدروز أو العلويين على سبيل المثال لا الحصر.
لا أنكر حق إخوتنا الأكراد بالعيش في أرضهم السورية متمتعين بكامل حقوقهم السياسية والثقافية والاجتماعية، ومع أن تعاد للمجردين منهم جنسيتهم السورية التي انتزعها منهم عنوةً ودون وجه حق، إحصاء عام 1962 سيئ الذكر.
ولا أنكر حق أي جماعة دينية من ممارسة شعائرها وطقوسها، بالطريقة التي تناسبها علناً ودون أي قمع، طالما أنها لا تؤذي الآخرين..لكنني في الوقت ذاته أرفض أي تقسيم للبلاد تقسيماً عرقياً أو طائفياً، فدول اللون الواحد لا يمكن قبولها في هذا العصر الذي تسعى فيه الدول للانفتاح على الآخر وانصهار القوميات، وليس التقوقع على الذات، ففي العالم أجمع لا يوجد سوى إسرائيل وإيران دولتين شوفينيتين بالمعنى الحرفي للكلمة بتغليب اللون الواحد على بلادهم.
سوريا المستقبل لابد أن تكون سوريا جديدة مبنية على عقيدة الحرية والحقوق الفردية للمواطن دون أي اعتبار لجنسه أو قوميته أو عرقه أو دينه أو معتقده أو مكان ولادته.
واللامركزية الإدارية المقصودة هنا، تقوم على تقسيم الدولة إلى دوائر جغرافية، أو أقاليم تقوم هذه الدوائر بانتخاب قياداتها ومسؤوليها من أبناء نفس الدائرة، وتقوم هذه المجموعة المنتخبة بإدارة الشؤون المحلية في المنطقة، هذه اللامركزية، تمنح المحافظات سلطات واسعة في أنظمة التشريع والاقتصاد المحلية التي لا تتعارض مع الدستور والتشريعات الوطنية والقانون العام، كما يخوّل السلطات المحلية اتخاذ قرارات ذات صفة إدارية وتنموية في مجالات يحددها القانون، على أن تكون هذه القرارات نافذة ضمن نطاقها الجغرافي - الإداري، دونما رجوع إلى السلطة المركزية، وضمن سياق سياسة عامة تقودها الحكومة المركزية في العاصمة، ويمكن التأسيس لذلك عبر مجالس محلية منتخبة ومحافظين منتخبين مباشرة من سكان الدوائر أو الأقاليم، على أن تكون حدود صلاحيات هذه الدوائر محددة بوضوح في جميع المجالات وأن تخضع جميعها لسلطة المساءلة والمحاسبة القانونية محلياً ووطنياً.
على أن استقلال السلطات المحلية اللامركزية يبقى استقلالاً نسبيًا في جميع الأنظمة اللامركزية، فهي جزء لا يتجزأ من الدولة، ترتبط عضويًا بالسلطة المركزية، وتخضع لسلّم القوانين والنظم الوطنية التي تعلوها وتشكل إطارًا حاضنًا لها.
فسوريا التي تحمل إرثاً تاريخياً وحضارياً منذ فجر التاريخ، من حقها الآن أن تكون دولةً منزهةً عن الطوائف والقوميات، والفرصة سانحة اليوم أن تُبني من جديد مثل أي دولة متقدمة إنسانياً، دولةٍ معاصرة، دولةٍ مدنيةٍ عابرة للمناطقية، وقائمة على الالتزام بمبادئ حقوق الإنسان، وحرية التعبير، وحرية المعتقد والعقيدة، سوريا الوطن لكل مواطنيها، سوريا الهوية الجامعة لكل من يقطن في حيزها الجغرافي، ويحمل جنسيتها.
تعليقات حول الموضوع
لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية