خلال استعراضه لتجربته في "مجلس الشعب السوري" وجه الشيخ ناصر محمد خير الحريري انتقادات لاذعة للمسؤولين من أهالي حوران، مؤكدا أنهم عملوا من أجل مصالحهم وغاياتهم الشخصية دون أن يقدموا أي خدمة لمحافظتهم، منتقدا في الوقت نفسه عملية التهميش التي مارستها مؤسسات المعارضة بحق الأعضاء السابقين في مجلس الشعب، لاسيما المجلس الوطني ومن ثم الائتلاف.
يوضح "الحريري" في حوار مع "زمان الوصل" أن جميع تصريحات أعضاء مجلس الشعب لدى النظام مرخصة ومسبقة التوجيه كمسرحيات "دريد لحام".
"الحريري" الذي انشق عن المجلس أعرب عن غضبه من عملية الإقصاء الممنهجة التي تعرض لها الأعضاء المنشقون عن المجلس والتي منعتهم من ممارسة دورهم الحقيقي في الثورة محملاً المسؤولية بذلك للائتلاف الوطني ومن قبله المجلس الوطني.
كما يكشف عن رأيه باللجنة الدستورية المعلن عنها مؤخرا من قبل الأمم المتحدة، ويعلل أسباب رفضه المشاركة بهذه اللجنة.
في الحوار التالي يشير "الحريري" إلى كواليس كلمة الراحل "يوسف أبو رومية" في مجلس الشعب، مؤكدا أن المخابرات هي من سربتها للرأي العام..
وإليكم نص الحوار الكامل:
*ماهو رأيك باللجنة الدستورية التي أعلنت عنها الأمم المتحدة؟
ـ اللجنة الدستوية المعلن عنها حديثاً تمثل جملة من الصراعات الموجودة على الأرض ومصالح الدول المستفيدة، ولذلك الهم الأكبر لكل فرد من أفرادها تحقيق انتصار لمصلحة الجهة التي اختارته بعيدا عن مصلحة الوطن والمواطن فهو آخر همها، أضف لذلك وهو الأهم هل الثورة التي ضحى من أجلها ما يزيد عن مليون شهيد قامت من أجل تعديل دستوري؟!. وبالتالي فإن اللجنة الدستورية بالمختصر هي التفاف على قرار جنيف 2254 بتواطؤ دولي وعلى رأسهم (الأصدقاء والأقرباء)، وقد رفضت المشاركة بهذه اللجنة وكان رفضي معللاً بكوني جزءا من كيان ثوري والثورة انطلقت على أيدي أحرار عشقوا الحرية ونادوا بالكرامة ليستولدوا كياناً جديداً في سوريا يكتب دستورها على يد الشعب السوري من خلال ممثليه المنتخبين من كل أطيافه السياسية والعرقية والإثنية لينتجوا قوانين تضمن كرامة وحق كل مواطن.
*ما هي الآلية الحقيقية لاختيار أعضاء "مجلس الشعب" التابع للنظام، ومن هو المتحكم الرئيسي به، وما مصير كل من يعارض هذا المتحكم قبل بدء الثورة السورية؟
ـ كم هو مؤلم الحديث عن مجلس يفترض أنه المشرع والمراقب لعمل الحكومة وممثل الشعب أمامها، بمعنى أنه سلطة الشعب، ولذلك في الدول التي تحترم سيادة القانون النائب فيها مسؤول أمام الشعب، وهمه الأكبر كسب ولاء الشعب، لأنه صاحب القرار في اختياره، بعكس ما كنا نراه في سوريا فعضو مجلس الشعب في سوريا ينتمي حكماً لإحدى فئتين الأولى ما تسمى بالجبهة الوطنية التقدمية والثانية فئة المستقل، أما الجبهة فتتكون من بعثيين وأحزاب أخرى موالية للنظام تعمل تحت جناح حزب البعث وأكبر حزب بتلك الجبهة بالمطلق لا يمثل بضع آلاف على مستوى سوريا، أما المستقل فهو من لا ينتمي لأي حزب أو جماعه سياسية، وكلاهما يمر بمرحلتين ليتقدم للانتخابات، أعضاء الجبهة ترشحهم قياداتهم السياسية وحين المصادقة عليهم من القيادة القطرية يصبحون أعضاء قبل الانتخابات، كيف لا وهم اختيار القيادة السياسية التي تمثل الحزب الذي هو "قائد المجتمع والدولة" بحسب توصيفهم، ولا يتعدى طرح الأسماء للانتخابات كونه حالة صورية لإتمام مهزلة الانتخابات .
وبالعودة لفئة المستقل فهو من الفئة التي تخضع للابتزاز فمن لا ينتمي لعشيرة أو دعم نقابي سيعتمد على قوته المالية وهنا يأتي دور صاحب القرار الحكومي بدعمه وتمكينه من الوصول للمجلس ولو على حساب مستقل آخر، وبعد الوصول للمجلس وأداء القسم سيعلم العضو المستقل أنه موظف بمرتبة نائب للشعب وينحاز بولائه عن الشعب لولي النعمة والأمر، إذ سرعان ما يكتشف أنه لا يملك قرار الاختيار فهو من الفئه الأقل التي تبلغ 36 عضواً من أصل 250، وحتى فئة الأغلبية تأتيها التعليمات مجهزة عن طريق أمين عام المجلس، وهو موظف بمرسوم ولا يتمتع بصفة العضوية وهو أهم من كل المجلس، فهو ضابط الارتباط ما بين المجلس والقصر من جهة وبين المجلس والحكومة من جهة أخرى، الأمين يدعو الشعبة الحزبية للاجتماع ويبلغ الجبهويين بالقرارات، وحين يحاول أحدهم الخروج عن القاعدة خاصة المستقلين سيحذره مكتب أمانة السر أو مكتب الرئاسة، فإن استمر يحذره الأمين العام، وفي هذا الحال يهمش العضو وتبلغ الوزارات بقفل أبوابها بوجهه، وأما إن كان معارضاً سياسياً أو رافضاً لاتفاقية تخدم متنفذ في البلد فمصيره كمصير مأمون الحمصي ورياض سيف بنزع العضوية عنه وحبسه.
*هل يمكن أن تذكر بعض خفايا وكواليس مجلس الشعب قبل الثورة السورية؟
ـ مجلس الشعب في سوريا مؤسسة مهمتها شرعنة ما يصدره القصر من مراسيم وقوانين للحكومة بموافقة القصر وخاصة الاتفاقيات والمعاهدات الدولية فهذا الدور هو المهم وليس التصفيق فهذا الأخير تحصيل حاصل .
باختصار المجلس مؤسسة تتبع للقصر وللقيادة القطرية ولا استقلالية لها، وعضو مجلس الشعب لا وزن له إلا من خلال علاقاته الشخصية فهو غير نافذ ولا يُهاب لأنه يفتقد السلطة والمبادرة، وهذا الأمر ينطبق على المجلس قبل وبعد الثورة وحينما تنقل بعض الكلمات الجريئة والحادة تحت القبة فهي مرخصة كما مسرحيات "دريد لحام".
*ماهي الامتيازات التي يتمتع بها عضو مجلس الشعب؟
ـ حقيقة لا توجد أي امتيازات للعضو في سوريا فالحصانة هشة وصورية ولا يتمتع كغيره من الأعضاء في الدول الأخرى بحيازة جواز سفر دبلوماسي، بل جواز خاص يمنحه وزير الخارجية لمن يشاء ، فكل أبناء المسؤولين والفنانين والمقربين يحملون الخاص، كما تفتقر المؤسسة لوجود سيارات ومكاتب لتسهيل عمل العضو والراتب أقل من متواضع وخجول أمام مرتبات أمثالهم من دول العالم الثالث، هذا فيما يتعلق بالأعضاء بشكل عام، مع وجود حالات متميزة برؤوس اموالها وعقدها صفقات استثنائية برضى ودعم الحكومة ومتنفذي القصر وهؤلاء يتمتعون بصفة الدبلوماسي ويحملون جواز سفره.
*كعضو في مجلس الشعب كيف كانت علاقة أعضاء المجلس مع بشار الأسد وكيف كانت علاقته بالتحديد مع أعضاء مجلس الشعب عن محافظة درعا قبل وبعد الحراك السلمي بدرعا؟
ـ يؤسفني بأن أقول بأن جميع المسؤولين الذين تبوؤوا مناصب ومراكز في الدولة من أبناء درعا لم يقدموا أي خدمة لأبناء محافظتهم ولم يتحدثوا باسم أهل حوارن بل تحدثوا وعملوا لغاياتهم الشخصية .
*ما هو رايك بأعضاء مجلس الشعب الحاليين، لاسيما أن بعضهم بات يهدد إسرائيل؟
ـ مازالت بعض الوجوه القديمة في المجلس الحالي، كما أنه يضم فئة لم تتمكن من الوصول في السابق، والآن ومع انعدام المقاييس الانتخابية وإحجام الكثير عن الترشح هرع هؤلاء لينالوا ما يعتقدون بأنه شرف تمثيل الشعب طبعا بعد توجيهات الأجهزة الأمنية، فالصندوق الانتخابي هم من يملكون مفاتيحه من البداية للنهاية.
وأسفر انعدام تلك المقاييس عن ظهور شخصيات منفصله كلياً عن الواقع، ونسمع تصريحات البعض منهم وهي غير مسؤوله وأدنى من مراهقة سياسية فمن يصدق أن إسرائيل لا تنام قريرة العين وجيش النظام الحامي لحدودها فمنذ عام 1973 وإسرائيل تعيش أفضل حالاتها الأمنية نتيجة الاتفاقات السرية مع النظام على نهج تسليم الجولان من قبل الأب حافظ والتوثيق على البيع من قبل الابن بشار، فلو كان هناك نية لمعاداة إسرائيل ومحوها من الوجود لكنا على أتم الاستعداد لذلك من قبل فلم يكن ينقصنا أي شيء سواء عدة أو عتاد أو وحدات مشاة لكن لم تكن هناك إرادة حقيقية لذلك بسبب خيانة النظام وأزلامه وتوقيعهم تلك الاتفاقيات .
*ما مصير أعضاء مجلس الشعب الذين وقفوا أمام إجرام النظام وكم كان عددهم ، ماهي الإجراءات التي اتخذت بحقك من قبل نظام الأسد بعد تركك لمجلس الشعب ومغادرتك البلاد؟
ـ ضمن المؤسسة التشريعية في العام 2011 كثر الذين تذمروا واعترضوا على النهج الأمني للدولة ضد مواطنيها، ولكن الخوف والخوف من المستقبل المجهول لمن يعارض دفع بهم للصمت وعندما أعلنت استقالتي عن المجلس بتاريخ 23/4/2011 احتجاجا على القتل عبر قناة "الجزيرة" التي أولت الأحداث بعدها اهتماما خاصا وتحميل رئيس الجمهورية مسؤولية ما يجري تلاني في الاستقالة الاستاذ "خليل الرفاعي" وعسكري من بيت "القشعمي" والمجلس المحلي كله في تل كلخ وتحركت الاحتجاجات في دوما وحمص ثم ادلب والرقة والغوطة وانشقاق الهرموش الذي تلاه مجموعة من الضباط فتحولت تظاهرات درعا المحلية الى تمرد عام في سوريا تحول لثورة، كما كان لريف حلب تحرك بعد استقالة السيدة اخلاص بدوي من مجلس الشعب وفرارها لتركيا كما فررت والأستاذ خليل الرفاعي لدولة عربيه نتيجة للملاحقات الأمنية والتهديد بالتنكيل والقتل، كما هو مصير الجميع منا فنحن الآن ملاحقون من قبل النظام ومنفيون خارج البلاد، كما صدر مرسوم أو قرار من قبل بشار الأسد لم يتسنّ لي التأكد من صحته بعد يقر بمصادرة أملاك وعقارات المعارضين للنظام ومن بينهم من انشق عن مجلس الشعب باستثنائي أنا وذلك كوني لا أملك عقارات في دمشق أو حلب، والنظام كما تعرف يركز على هاتين المحافظتين وكون منزلي في محافظة درعا قد تم تفخيخه من قبل قوات النظام وتدميره بشكل كامل.
*يوسف أبو رومية أحد أعضاء مجلس الشعب الذين مثلوا محافظة درعا بداية الثورة وقف وتكلم عن الإجرام في درعا هل لديك أية خلفيات لما حدث له في تلك الفترة؟ .
ـ تعرض مجلس الشعب ضمن جلسة مغلقة لأحداث درعا، وتم تسريب كلمة أخي المرحوم الشيخ يوسف أبو رومية التي ذمت عاطف نجيب من خلال امتداح حافظ الأسد وولاء درعا له وتجديد الولاء للابن بشار كما وتحدث فيها الأعضاء عما يحدث في درعا ولسوء حظي كنت خارج القطر آنذاك، ونقل لي بعض الزملاء أن العضو فواز المحاميد تحدث بجرأة كبيرة ولكن لم يسمع بكلمته أحد لأنه لم يسمح بتسريبها وخصيصا أن ما يتم بأروقة مجلس الشعب وما يتم تصويره يبقى فقط بيد مخابرات نظام الأسد، أما تسريب كلمة أبو رومية فتم من قبل المخابرات، وكلاهما لم يلاحق واستمر بالمجلس لنهاية الدور التشريعي وبقيا في الداخل رغم محاولتي لاستقطاب كليهما لترك العمل في المجلس مع العديد من غيرهم من الأعضاء .
*برأيك من هو الذي يتحمل الوزر عن تطور الأمور بداية الحراك الثوري بدرعا رغم التدخلات العشائرية لتدارك الأمر، هل هو عاطف نجيب ابن خالة رأس النظام بشار الأسد؟
ـ المسؤول عن الشرارة في درعا عاطف نجيب لكن من تابع في سياسة القتل وتردي الوضع هو بشار الأسد عبر تعليماته لضباط أجهزة الأمن بإخماد المظاهرات السلمية بكل الطرق.
*باعتبارك أحد أعضاء مجلس الشعب المنشقين عن نظام الأسد لماذا لم يكن لكم دور فعلي في تدعيم الثورة السورية وتصحيح مسارها؟.
ـ كنت أتمنى من المؤسسات التي مثلت الثورة أن تمنحنا دوراً كمنشقين وأصحاب مبدأ، ولكن مع الأسف تم تهميشي ومحاربتي بأكثر من موقف حتى النشطاء والقادة لم يتعاونوا معي وحاربوني بحجة العشائرية التي اعتبروها من العصر الحجري، لكن أوكد بأن عصر العشائرية الحجري المتخلف أفضل بكثير من العصر الذي تعيشه الثورة الآن، أما فيما يخص تصحيح المسار فلن يتسنّ لي ولا لزملائي المنشقين المساهمة في التصحيح ما دام نشطاء الثورة ملهيين بقياس الكرسي المأمول وبالمقابل هناك من يعمل لله ولكنهم قله ولاحيلة لهم.
*من هو المسؤول عن غياب الدور الحقيقي والفعلي لأعضاء مجلس الشعب المنشقين عن نظام الأسد بالثورة السورية؟
ـ أحمّل مسؤولية تهميش الأعضاء المنشقين للمجلس الوطني ووريثه الائتلاف ولكل ما يسمى مؤسسات ثورية لأنهم حجبوا ممثلي الشعب عن عمل يوثق صلتهم بالحاضنة لتحريضها ودفعها لعمل وطني خالص مستأثرين بالعمل لمصالح أقلها خاصة، فقد عملت شخصياً على التواصل منذ بداية تأسيس المجلس الوطني ومن بعده الائتلاف محرضاً إياهم للعمل على أسس واقعية والابتعاد عن الخيال.
*إلى أين تسير الثورة السورية بمنظورك؟
ـ نعاني في الثورة السورية من عملية إقصاء ممنهجة للأشخاص الثوريين والفاعلين الحقيقيين وعليه أوكد بأنه يجب علينا العودة للضمير والوجدان ونعطي لكل شخص حقه ولا أريد القول بأن نعود إلى الدين لأنه سيتم وصفي بالداعشي، لكن إذا ما عدنا لذلك وتصرفنا بحكمة الضمير الصحيح سنبدأ بداية جديدة وسننطلق من جديد، وإلا فستبقى الثورة رهينة بين يدي الدول من خلال ما تملكه تلك الدول من ممثلين مرتهنين لها مفروضين على الثورة.
حاوره: وليد السليمان - زمان الوصل
تعليقات حول الموضوع
لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية