أدخل كلمات البحث واضغط على إدخال.

هاتوا مشاريعكم..يكفينا نواحاً... عدنان عبد الرزاق*

جيتي

غلب، حتى على المثقفين وقادة الرأي، شكل وتعاطي الندب والتوصيف والتشكي، فبات من النادر، أن تسمع أو تقرأ فكرة، صالحة للبناء ومؤهلة للنضوج، وبالتالي ممكنة التطبيق، لتكون، نواة أمل ولو بالحدود الدنيا.

بل، وغرق من كانوا بمواقع القواطر، بأفخاخ التصيّد والسعي لمسك زلة لسان أو هفوة سلوك، ليسوقوها بقوالب غلب عليها التحريض أو التهكم، وفي ظنهم أنهم بلغوا سدة المجد وتغلبوا على "الخصوم" بضربة قاضية.

في حين، وعلى المقلب الآخر، يوفر "الخصوم" سواء من عصابة الأسد أو الدول المنتفعة من المقتلة السورية، كل ما بوسعهم، من الأسباب والمناخات المؤاتية، ليستمر دعاة الحرية والكرامة، بالغوص في مستنقع اللاجدوى، ويزهقوا الزمن ويفوتوا فرصاً، على الأرجح لن تتكرر.
بمعنى آخر، هل الرفض فقط، يمكن أن يكون بديلاً، عن مشاريع وخطط يتقدم بها "الآخر" بوقت مفصلي، تبدو فيه المقترحات، ضرورية ومطلبا دوليا لخروج سوريا من مستنقعي الأسد والتطرف.

هنا، وقبل أن نكمل، ربما يقول قائل، وهل العالم ينتظر منا البدائل والخطط، بواقع الإعداد والاتفاقات المسبقة، لجل ما يجري وسيجري؟!
أقول، بالمبدأ هذا الكلام منطقي وواقعي، لكنه بالآن نفسه، محبط وتهديمي، والأهم والأخطر، أنه يترك المجال لـ"الآخر" ليتذرع بعدم وجود بدائل، بل وبفراغ كامل من طرف المعارضة، فيأخذ بمشاريع عصابة الأسد أو الدول المحتلة، لعدم وجود آخر.

لنقرب عبر ثلاثة أمثلة ماثلة وإن بعد حين.

الأول، عقد حزب الشعب الجمهوري التركي المعارض، أمس السبت، مؤتمر سلام "سوريا...الباب المفتوح للسلام" بعيداً عمّا جاء على لسان رئيس الحزب، كمال كليتشدار أوغلو، من تسويق لبشار الأسد وإعادة العلاقات معه، أو حتى ما ادعاه رئيس بلدية إسطنبول الكبرى، أكرم إمام أوغلو، من دفاعه عن السوريين واسترجاع حقوقهم وحل مشاكلهم. نسأل.

ماهي مصائر نحو 4 مليون سوري إن "ولّف" بعض الأتراك من جديد من عصابة الأسد، وماذا فعلت المعارضة بتركيا، وهي المقيمة والمدللة منذ ثماني سنوات.

ونختم بمعلومة، أتعرف عزيزي القارئ أنه لا يوجد تمثيل حقيقي للسوريين بتركيا، يدافع عنهم، رغم وجود الائتلاف والجمعيات ومؤسسات المجتمع المدني، بل ولنزيد من الشعر بيتاً، لا يوجد حتى اليوم، كتاب واحد باللغة التركية، يوضح للأتراك حقيقة الثورة وأسباب اللجوء لتركيتهم وماذا فعل ويفعل الأسد.

بل، يكتفي السوريون عامة وسراق التمثيل تحديداً، بالغناء بالحمام وباللغة العربية، حتى بات السوريون في تركيا، ورقة ضغط من المعارضة على الحزب الحاكم وأصبح مصير الملايين ضبابياً ومجهولاً.

المثال الثاني، صياغة دستور جديد لسوريا أو تعديل دستور عام 2012 الذي وضعته عصابة الأسد خلال أربعة شهور، ونسأل عن البدائل المنطقية التي قدمتها المعارضة، بعد رفضها ملهاة الدستور.

نقطة نظام أخرى، ليس من شك، أن صياغة الدستور وزهق الزمن لسنتين بالتوافق على لجنة محاصصة لكتابته، هي من أخطر الكوارث التي سيدفع ثمنها السوريون.

لأنهم لم يقوموا أصلاً بثورتهم لتعديل الدستور، وإن كان ضمن المطالب الأولى، إلغاء المادة الثامنة من دستور 1973 التي تقول إن حزب البعث هو القائد للدولة والمجتمع، بل قاموا بثورتهم لنيل الكرامة والحرية والعدالة بالفرص وتوزيع الثورة، قبل أن ينادوا بإسقاط نظام وراثي مستبد.

كما من كوارث مسرحية الدستور، إلغاء للقرارات الدولية التي أتت على الانتقال السياسي، وليس صحيحاً ما يشاع أن الدستور هو مقدمة لتطبيق تلك القرارات.

والأرجح، فإن الدستور، طبعاً إن مرّ، إنما سيضع عصابة الأسد بموقع البريء من كل الجرائم التي اقترفتها، إذ كيف لمن قبل التشارك مع القاتل وصاغ معه دستور بلاد، أن يقول بعد ذلك، شريكي مجرم وكنت مضطراً لمجاراته.

إذاً، بعد التوضيح أن الدستور كارثة ولجنة صياغته جريمة، وبالتالي القبول به وبهم ربما يصل لمرتبة الخيانة، نسأل بواقعية: ما هو البديل إن وجد محتلو سوريا ودعاة الديمقراطية بالعالم، أن الحل بسوريا لا بد أن يبدأ من الدستور.

هل نستمر بالرفض من أجل الرفض، ونرد على مشروع خطر بالتهكم والسباب، ليجد الآخر فرصة بتكريس مقولة الفراغ بالجانب الآخر وعدم وجود البديل.

وهنا وللمرة الألف، لا أنادي بقبول تعديل الدستور وفق ما رسمت روسيا لتلتف على القرار 2254 أو تؤمن فرصة إعادة إنتاج النظام، وإن بوجه جديد من صفوف العصابة الخلفية. لكني أناشد بتأمين بدائل وتقديم أفكار ومشروعات، تؤكد لمن يبحث عن ذريعة، أن طرف المعارضة ليس فارغاً.

وأما المثال الآخر، فهو الأخطر ربما ويتعلق بانتخابات رئيس الجمهورية، وهذا الاستحقاق لم يعد بعيداً، فبعد عام من اليوم، ستبدأ الترشيحات والتحضير لانتخابات عام 2021.

وبطريقة الأسئلة ذاتها، هل سنستمر بالرفض كما فعلنا عام 2014 ونسكن إلى أخلاق ديمقراطيّ العالم المتحضر، بأنه لا يمكن القبول بقاتل وإعادة إنتاج مستبدين؟!

ونفرّع بردودنا، على مقامات التهكم والسخرية، والصراخ أن الأسد قاتل ومجرم، وكأن العالم يجهل تلك البدهيات.

ولو استفضنا قليلاً بهذا المثال الخطر، لنسأل، هل من توافق لدى المعارضة على شخصية لتكون رئيساً ولو لفترة انتقالية لسوريا، إن لم نقل منافسة لبشار الأسد أو أسماء الأخرس.

وماذا يمكن أن يفعل الأوصياء والمحتلون، إن جاء استحقاق الانتخابات الرئاسية ولم يكن من مرشح غير الأسد.

أو، وهو الأخطر، إن وجد العشرات من المعارضة أو المحسوبين عليها، أنهم أهل لذاك المنصب، فكان الأسد أو أحد أفراد عصابته، بمواجهة أربعين مرشحاً، ما يعني تشتيت أصوات المعارضة وتقديم هدية ثمينة وبوجهين لنظام الأسد.

أول وجوهها، قبولهم بترشحه، ما يعني جب كل ما قبل الفترة الرئاسية الجديدة من جرائم. وثاني وجوه الهدية، تفتيت قوة وأصوات السوريين الرافضين إعادة وصول الأسد لفترة رئاسية وراثية ثالثة.

نهاية القول: ما عادت كل الأغاني والمواويل التي يرددها السوريون، تطرب أي طرف عالمي، بل ليس من إفشاء السر القول، إن الأطراف الدولية ملّت تكرار الألحان ذاتها وأصيبت بالقرف من "المعارضة"، خاصة بعد أن لمست وتأكدت، أن ممثليها أو جلهم، رخصاء وهواة ضوء ومرضى مال.

ما يعني، نكون عبر العمل والمشروعات ولغة المصالح، أو لا ولن نكون، إن استمرينا بطرائق الرفض والمسخرة، والبداية على الأرجح، بثورة من المعارضة على من سرق الثورة ومصير البلاد، والعمل سريعاً على تشكيل نواة من وطنيين سوريين، متفق عليها وإن بحدود دنيا، لترمي للعالم بدائل وخططا وتلغي مقولة الفراغ وتزيح تهمة رخص المعارضة السورية وتبعيتها.

*من كتاب زمان الوصل
(234)    هل أعجبتك المقالة (233)
التعليقات (0)

تعليقات حول الموضوع

لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية
*يستخدم لمنع الارسال الآلي