أدخل كلمات البحث واضغط على إدخال.

إعلانات "المجاهدين"... ماهر شرف الدين*

كم تبدو هذه اللافتات شبيهة بالإعلانات التجارية مدفوعة الثمن


"تبَّاً للديموقراطية"، لافتةٌ من سلسلة لافتات سوداء تحمل معانيَ متقاربةً، نَصَبَها الذين أطلقوا على أنفسهم لقب "إخوانكم المجاهدين" في المنطقة التي كانوا يسيطرون عليها، وجعلها جنود النظام مقصداً لالتقاط صور "السيلفي"، كما جعلتها صحافة النظام مادَّتها الفُضلى.

بالطبع، لافتةٌ كهذه يمكن أن تُقرأ بسهولة: "تبَّاً للثورة"، ما دام أنها لا تكتفي بتكفير ملايين السوريين الذين أعلنوا ثورتهم من أجل هذه الديموقراطية "الـمَتْبُوبة"، بل تتعدَّى ذلك إلى تكفير علَّة قيام الثورة من أساسها.

إنَّ لَعْن علَّة قيام الثورة ومبرّرها – أي الديموقراطية – هو، أوَّلاً، فعلُ لعنٍ لشهداء هذه الثورة، ولمشرَّديها، وللمختفين قسراً، وللمظاهرات التاريخية التي أشعلت أحلام السوريين ببلدٍ ديموقراطي وحديث.

لقد دوَّنَ "المجاهدون" في هذه اللافتة، ومثيلاتها، كلَّ ما يسعى النظام إلى تنفيذه. فما امتنع عن المجاهرة به بشكل رسميّ، جعلوه لافتاتٍ شاهدها، مترجمةً بمختلف لغات الدنيا، العالمُ أجمع. لقد لخَّصوا، بوضوحٍ، جوهر النظام الاستبدادي في مسألة عدائه للديموقراطية. لاقوه إلى منتصف الطريق وقالوا له: نحن أدواتك الذين نحمل مُسمَّيات أعدائك.
بدتْ لافتاتهم السوداء هذه شبيهةً جداً، في فاعليتها، بالإعلانات التجارية التسويقية مدفوعة الثمن. كانت أكبر حملة تسويق دعائية لنظام الأسد – لدى الرأي العام الغربي والعالمي - باعتباره، بين البدائل، الأقلَّ سوءاً. وأكبر حملة تشويه لثورة اللافتات البيضاء والملوَّنة باعتبارها ثورة إرهاب وأيديولوجية دينية.

وهكذا، بين لافتات ناصعة البياض حملها المتظاهرون المدنيون الأوائل، ولافتات حالكة السواد نَصَبتها جماعةٌ فَقَدَ أفرادُها إحساسهم بتعاقب الزمن وسير الحضارة والحداثة، عاش حلمُ الديموقراطية السورية الافتراضية حياةً قصيرةً شبيهةً بحياة أبطاله من الشباب السوريين الذين قضوا يافعين في سبيل تحقيقه.

تمعَّنوا في المفارقة الآتية: إنَّ الذي اغتال مهندس لافتات كفرنبل الشهيرة (التي لم تنشر صحافة النظام صورةً واحدةً لها) هو رافعُ لافتات "تبَّاً للديموقراطية" (التي نشرتها صحافة النظام على صفحاتها الأُولى).

*شاعر وكاتب سوري - من كتاب زمان الوصل
(231)    هل أعجبتك المقالة (213)
التعليقات (0)

تعليقات حول الموضوع

لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية
*يستخدم لمنع الارسال الآلي