لا حاجة ربما لتفنيد أسباب عودة الروح، للسوريين أيضاً وليس للمصريين فقط، بعد أن خرج شباب مصر وفي ست محافظات، ليل أول أمس الجمعة، يطالبون بإسقاط الرئيس عبد الفتاح السيسي وزوجته.
إذ باتت "الثورات المضادة" ودق السيسي كإسفين، في قلب ثورات الربيع وحلم الشباب العربي "مكشوفة" دفع السوريين ربما، أكثر من إخوتهم المصريين، ثمناً لها، فضلاً عن حقيقة يعيها الغرب ربما أكثر من المشرق، مفادها بمنتهى الاختصار، أن مصر قاطرة المنطقة، إن قامت فلن يحد أحلام المنطقة سقوف، وأما إن نعست أو استكانت، فستغط ولا محالة، شعوب المنطقة بنوم عميق.
بيد أن السؤال ومنذ البداية، عن ديمومة هذه "العودة" وجدواها، بواقع مشيئة دولية كرست السيسي كزعيم وبديل، ومنذ انقلابه على الرئيس المقتول المنتخب، محمد مرسي، منذ يوليو/تموز 2013، كما الإرادة بالإبقاء على الوريث بشار الأسد، القاتل حتى بالأسلحة الكيماوية.
وربما، إلى جانب المشيئة والإرادة، ذاك الإحباط الذي لف شعوب المنطقة الثائرة، إثر اللاجدوى التي وصلت حدود الاستكانة والقبول بنماذج، كما السيسي وعبد ربه منصور، ليمثلوا شعوبا لهم من العراقة وعليهم من الآمال، مادفع شباب الربيع العربي لينطلقوا ومنذ 2010، غير عابئين بالنتائج، وإن وصلت للقتل والتهجير، لطالما الغاية هي الحرية والانطلاقة للعد التصاعدي، صوب أنموذج الدولة والاقتداء بالشعوب المتحررة والمتطورة.
ليأتي السؤال الثاني، أيعقل أن المصريين لم يكونوا، قبل فيديوهات المقاول محمد علي، يعرفون تجاوزات الرئيس وتبديده المال المصري على القصور والافتتاحات الوهمية والمقابر، وتحويل الشعب للدرك الأسفل من العبودية والفقر؟!.
إلا أن، مجرد خروج آلاف المصريين أخيراً، رغم القمع وبسط السطوة الأمنية، يبدد ربما، جميع الهواجس، ويعيد اليقين بأن شعوب الربيع العربي قاطبة، وليس المصريين وحدهم، لما يحيدوا عن قرار "الحرية" وإن تراجعوا جراء ظروف، وإلا، كيف نبرر، إلى جانب المصريين، ما حدث بالسودان وما يحدث اليوم بالجزائر ودير الزور وإدلب السوريتيّن.
بالعودة إلى مصر، القاطرة والسباقة، لنسأل أولاً، هل ثمة داعمين ومسربي معلومات، للمقاول محمد علي، هيؤوا له جلّ ما رأيناه وما سوف نراه، لتكون المواجهة المتوقعة بعد عودة الانقلابي السيسي من اجتماع الجمعية العامة للأمم المتحدة، مع أباطرة المال المصري وبعض العسكر، الذين ضاعت هيبتهم وتهددت مصالحهم جراء فساد الرئيس وأسرته ومن حوله. والأهم، كيف يمكن أن تسير تلك المواجهات؟!.
بمعنى، هل سنرى مظاهرات مليونية، منتشرة بالتوازي في المدن المصرية، على نحو مدروس، لجهة التنظيم والهدف والهتاف، وكيف سيكون الرد الأمني والإعلامي، بعد الذي رآه عسكريو مصر، من أقرانهم بتونس أولاً، ومن ثم بعض السودان والجزائر.
أياً بلغت مآلات ثورة مصر الجديدة، ثمة حقيقة بزغت من جديد، بعد الرهان على خنوع الشعوب العربية، مقولتها باقتضاب: لن ترضى شعوب المنطقة بواقع المزارع بديلاً عن الدولة، ولن تقبل بصفة الرعايا مكان المواطنين، وإن هدأت بين شوطين، جراء أسباب كثيرة، ربما التآمر والتخلي الدولي ومحاولات اسكاتها بالقوة، كانت الأولى والأهم.
إلا أن، نهاية القول تقتضي الإشارة إلى أن المصريين ورغم تهاوي سعر صرف الجنيه ورفع الأسعار وتفقيرهم، لم يطالبوا بالخبز ورفع الأجور، بل بدأوا من حيث انتهت الثورة السابقة، من "ارحل يا سيسي".
بيد أن أخطاء الماضي، إن بمصر والسودان، وحتى تونس، تتطلب استيعاب شعوب المنطقة حقيقة عدم الاكتفاء بتبديل الطاغية بنموذج آخر، سيجنح الجديد تحت تأثير نظام الطغيان والتعامي الدولي إلى الطغيان لا محالة، فالثورات هي انقلاب على واقع لتغيير جذري بنظام شامل، لم يراع حقوق الإنسان وكرامة الدولة. وليس كما ينادي "المقاول" بخلع السيسي ومحاسبته فقط.
*عدنان عبد الرزاق - من "كتاب زمان الوصل"
تعليقات حول الموضوع
لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية