عن "دار نون للنشر والطباعة والتوزيع" صدرت مؤخراً رواية بعنوان "ملكة الفوعة وتلميذ بنش" للصحفي السوري "شعبان عبود".
وتسرد الرواية، وهي الأولى لكاتبها فصولاً من المأساة السورية التي أخذت بعداً طائفياً، مجسدة حكاية حب طفولي كامن في روحي طالبين درسا سوية في مدرسة تقع في منتصف الطريق بين بلدتي "بنش" و"الفوعة"، لكنه توقف عند نهاية مرحلة الثانوية، ليفترقا نحو ثلاثين عاماً، وتنقطع أخبارهما عن بعضهما البعض.
وخلال تلك السنين حصلت أشياء كثيرة كان من بينها أن "تلميذ بنش" هاجر إلى دولة غربية، وأن "ملكة الفوعة" أو "سلمى" بطلة الرواية قد تزوجت وأنجبت أولاداً، كما حصل أن الثورة قد بدأت في سوريا ليجد فيما بعد أهالي البلدتين أنفسهما وقد تحولوا إلى أعداء، حيث سقط المئات من القتلى من الجانبين ومن بينهم ابن "سلمى" الذي كان يقاتل في صفوف ميليشيات تابعة للنظام وتدعمها إيران، بدوره فقدَ تلميذ "بنش" الكثير من أبناء عائلته جراء قصف مصدره بلدة "الفوعة" وطائرات النظام، فيما بعد يجد الاثنان طريقة للبحث عن بعضهما ليلتقيا بعد ثلاثين سنة ويتحدثا عن حبهما القديم وأهوال الحرب.
وتكشف أحداث الرواية التي تقع بين بلدتي "بنش" السنية و"الفوعة" الشيعية عن روابط إنسانية عميقة بين أبناء المجتمع الواحد أريد لها أن تتقطع خدمة لنوازع سياسية ومصالح أنانية ضيقة، واستبداد يلتحف الدين رداء تتجاوزه جاهلية الطوائف! -كما جاء في تعريف الناشر.
وروى مؤلف الرواية لـ"زمان الوصل" أن ما حصل في سوريا كان حدثا يشبه الزلزال "لقد كان حدثاً تاريخياً وكبيراً ما زلنا نعيش آثاره"، مضيفاً أن الثورة بحد ذاتها حدث تاريخي، فالشعوب لا تقوم بالثورات كل يوم، وعندما خرج السوريون إلى الشوارع مطالبين بالحرية والديموقراطية والكرامة وبناء دولة حديثة كان على النخب السورية -كما يقول- أن تتخذ الموقف التاريخي والمتوقع منها، وكان لزاماً عليها أن تكون بحجم هذا الحدث الكبير.
*ليسوا مجرد أرقام
ولفت "عبود" إلى أنه كصحافي كان يتابع كل التفاصيل وما يجري ساعة بساعة ويشعر بفرح شديد لخروج الناس إلى الشوارع من أجل التظاهر، ولكنه بالمقابل كان يحزن ويشعر بالغضب جراء نهج العنف والقتل الذي قررته السلطات في التعامل مع الاحتجاجات.
ولأن الصحافة ووسائل الإعلام لا تتوقف عادة عند اللحظات الإنسانية المتعلقة بما يجري من قتل ودمار وتعذيب وغيره، وتتعامل مع القتلى كأرقام وليس كقصص وحكايات وآمال وأحلام، فقد أراد أن يكون راوياً لحكايات الناس وأوجاعهم وآمالهم في ظل الحرب.
وضرب "عبود" مثالاً على ذلك حين كان يعمل في قناة "الحرة" في الولايات المتحدة، وكيف أن أحد أصدقائه وكان يسكن في حي "الميدان" بدمشق قد أخبره كيف بكى حين خرج للتظاهر في الحي، وكيف شعر حين سمع صوت نفسه للمرة الأولى في حياته خلال تلك التظاهرة، ليؤكد إن هذا لا يمكن لوسائل الاعلام أن تقف عنده وترصده".
وأضاف: "مثال آخر، ذات مرة وكنت أعمل في غرفة الأخبار رأيت فيديو على وسائل التواصل الاجتماعي يصور لحظة مقتل الحلاق "مؤيد" في حي "القابون" الذي كنت أسكن فيه، وهذا الحلاق كان يحلق لي شعري ويقص شعر أولادي ويرشهم بالعطر عندما ينتهي من قَص شعرهم، رأيت فيديو مقتله وأنا أعمل لكن عندما حررت الخبر، لم يكن باستطاعتي سوى القول أن خمسة أشخاص قتلوا في حي "القابون" جراء كذا وكذا، لكن لم أستطع أن أقول إن مؤيداً، الحلاق الذي عشت معه سنين طويلة وقص لي شعري عشرات المرات كان منهم.
وروى "عبود" أنه تلقى ذات يوم خبر مقتل اثنين من أبناء شقيقه، وهم أطفال خلال عملية قصف على منزلهم، لم يستطع -كما يقول- فعل شيء لهما وهو في غرفة الأخبار، وتابع "اختنقت لأنني لم استطع فعل شيء وتعاملت مع حادثة مقتلهما كمجرد رقم".
وأضاف أن الصحافة تبدو وسيلة قاصرة أمام اللحظات الإنسانية والتاريخية، لذلك من هنا، بدأ التفكير بكيفية التعبير عن كل ذلك، وعكس ما كان يجري من خلال لغة ووسيلة مختلفة، ولم يكن ذلك ممكناً إلا من خلال الأدب، من هنا أتت فكرة الرواية.
*بين الواقع والمتخيل
وتمزج رواية "ملكة الفوعة -تلميذ بنش" بين الكثير من التجارب وعشرات الحكايات التي سمعها المؤلف أو قرأ عنها، لكن رغم ذلك-كما يقول- كان لا بد من الخيال المضبوط والذي يخدم السياق الروائي والأدبي.
وأردف أن حجم ومساحة المتخيل في الرواية رغم أنه كان محدوداً ومنضبطاً إلا أنه أتى في مقاطع معينة من الرواية كضرورة.
وتبدو شخصيات الرواية في معظمها حقيقية حتى ولو اختلفت الأسماء، وفي هذا السياق أشار "عبود" إلى أن ما حصل من أحداث وتطورات وما سمعه من مئات القصص لا يجعله يضطر للجوء إلى المتخيل.
وأردف متسائلاً:"لماذا نذهب إليه وهناك ألف قصة وقصة في كل بيت ومدينة وقرية.. وتجربة الثورة السورية وتجارب الموت والاعتقال واللجوء والحصار والتهجير تمدنا بآلاف القصص وما علينا سوى البحث عنها لنكتب عنها، واستدرك محدثنا أن الخيال في روايته أتى لغايات سردية وتتعلق بالبناء الأدبي ولم يكن أساسياً أبدا.
*الحرب حولت الجميع إلى أعداء
وحول دلالات عنوان الرواية أوضح عبود أنه أراد عن قصد إبراز اسم بلدتي "الفوعة" و"بنش" نظراً لرمزيتهما في الثورة والصراع المسلح الذي وسم تطورات الأحداث فيما بعد، مشيراً إلى أن "بنش" هي مدينة سنية وكانت سباقة في الخروج للتظاهر ضد النظام، فيما "الفوعة" هي بلدة شيعية، وقد اختار غالبية من أبنائها الوقوف ضد الثورة رغم وجود العديد من أبنائها الذين قرروا الانحياز للثورة ولكنهم دفعوا ثمناً مزدوجاً جراء موقفهم هذا من قبل محيطهم.
وتابع أن "رمزية عنوان واسم الرواية يكمنان في الرغبة في فهم الآخر والمختلف وإنصافه، سواء كان ضحية لمحيطه الاجتماعي الطائفي أو للفصائل المتشددة التي لم تر في ابن "الفوعة" سوى "عميل أو كافر" ولم تره كمواطن، أو كإنسان دفع ثمنا باهظاً للحرب، والحصار والتجويع والتهجير.
وقال "عبود" إن الرواية أرادت من خلال اسم المكان، أن تشير إلى التناقضات الطائفية والتنوع الديني الذي تم الاشتغال عليه واستغلاله من قبل جميع الأطراف لغايات وأجندات معينة، وبسبب هذا التخندق الطائفي والسياسي، والفرز الذي حصل بين موالٍ ومعارض، لم نستطع –للأسف- أن نجد وقتاً وفرصة لسماع الآخر.
واستدرك أن "الحرب حولت الجميع إلى أعداء وصرنا ننظر إلى بَعضنا بعضا كسنة وشيعة وعلويين ومسيحيين، متناسين أن "الآخر" يشبهنا تماماً، ويتألم ويموت ويجوع ويعاني وليس أمامه من خيارات لفعل شيء".
*بين الرواية والصحافة
وحول اختياره لغة تجمع بين الصحافة والأدب لروايته وإلى أي حد ساعدت تجربته الإعلامية في بناء الرواية ونسج أحداثها وشخصياتها، أشار "عبود" إلى أن تجربته الصحافية وخاصة الصحافة الاستقصائية أفادته كثيراً لناحية تتبع مسارات الشخصيات والأحداث، فحسب رأيه أن من مهمات الصحفي الاستقصائي البحث في كل المعطيات والأدلة والوثائق بين يديه حتى يستطيع أن ينجزه تحقيقه الصحافي ثم عليه أن يقارن بين كل ما تجمع لديه، وأن يحلل المعلومات والشهادات والأرقام والتقارير والمقالات التي حصل عليها عن حالة معينة أو موضع معين، مضيفاً أن عمله في الصحافة أفاده كثيراً في رحلة تتبعه لشخصيات الرواية والاستماع اليهم وملاحقتهم من بلد إلى آخر ومن مدينة إلى أخرى، سواء كانوا داخل سوريا أو في بلدان المهجر، ومن خلال ذلك تكونت لديه صورة وافية عما جرى في بداية الثورة وصولاً الى تهجير أهل "الفوعة" من قريتهم وهجرة الآلاف من أهالي "بنش" إلى دول اللجوء.
وفيما يتعلق بانشغالاته على الصعيد الأدبي وهل هناك مشاريع روائية تلوح في الأفق نوّه محدثنا إلى أن الانطباعات الإيجابية الكثيرة والاهتمام الذي حظيت به روايته الأولى جعلاه يفكر بكتابة رواية أخرى، وخاصة أن الذي حصل ولا يزال يحصل في سوريا شيء مهول جداً، ومن مهمة السوريين أن يقولوا للعالم إن هناك الكثير من الأشياء والقصص العظيمة والرائعة التي يجب أن تُروى، وهناك الكثير من الملاحم والأبطال بيننا، وإذا لم نتحدث عنهم أو نقترب منهم فمن سيتحدث عنهم -عنا؟ا.
تعليقات حول الموضوع
لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية