أدخل كلمات البحث واضغط على إدخال.

المصادفات الطائفية... ماهر شرف الدين*

أرادَ الفيلم ردَّ "الجميل" لطائفةٍ، وردَّ "الصاع" لطائفةٍ أُخرى

أعادَ المخرج (ورئيس "مجلس الشعب" السابق) نجدت إسماعيل أنزور الفضيحة الطائفية المدوّية في فيلمه "دم النخل" إلى الصدفة البحتة. قال في تبريره إنَّ الممثّل الذي أدَّى دور الجندي الجبان كان بالصدفة من محافظة السويداء، وقد سُمِحَ له بأن يتحدَّث بلهجته الأصلية!

ولكنَّ لعبة "المصادفات" هذه، قادت المشاهدين إلى "صدفة" طائفية أُخرى: الجندي الشجاع في الفيلم يتحدَّث بلهجة أهل الساحل!

في الفيلم المذكور، الذي اضطرَّ القائمون عليه إلى إيقاف عرضه بعد الغضبة الشاملة التي عمَّت السويداء ووصلت إلى درجة إطلاق النار على فرع "حزب البعث" في المدينة، ثمَّة منطق طائفي لا تُخطئه عينٌ. وقد اكتسبَ هذا المنطق زخماً إضافياً لجهة أنَّ العرض الأوَّل للفيلم تمَّ بحضور ورعاية بشار الأسد وعقيلته التي لم يمضِ شهرٌ على إعلان "انتصارها" على مرض السرطان.

لقد أراد المنطق الطائفي في الفيلم، وبوضوحٍ شديدٍ، معاقبة دروز سوريا على رفضهم إرسال أبنائهم إلى الجيش، من خلال إظهارهم بمظهر الجبناء، ومكافأة أبناء الطائفة العلوية الذين قدَّموا أكثر من مئة ألف قتيل، من خلال إظهارهم بمظهر الشجعان.

وبكلمةٍ أُخرى: أرادَ الفيلم ردَّ "الجميل" لطائفةٍ، وردَّ "الصاع" لطائفةٍ أُخرى.

فالظاهر أنه لم يكفِ نظام الأسد نقلُه جيشاً من الدواعش من جنوب دمشق إلى بادية السويداء (ضمن صفقةٍ شرّيرة رعتها، بـ"الصدفة" أيضاً، كنانة حويجة ابنة أخ اللواء إبراهيم حويجة الذي اغتال زعيم الدروز التاريخي في لبنان كمال جنبلاط) والتسبُّب بمجزرةٍ راح ضحيتها أكثر من 250 شخصاً في 25 تموز 2018.

فعقوبة رفض دروز سوريا الالتحاق بـ"حلف الأقلّيات" لا يجب أن تتمّ على أيدي "دواعش" الحرب فحسب، وإنما على أيدي "دواعش" الفنّ أيضاً.

ولا بأس من أن تأخذ العقوبة شكلاً سينمائياً، بتوقيع نجدت أنزور الذي لا يختلف القمل الإلغائي في شعره الطويل عن ذاك الموجود في لحية البغدادي.

ولا بأس، بعد ذلك، من التذرُّع بالصدفة... ما دام أنها الصدفة ذاتها التي جعلت رئيس البلاد وقادة الأجهزة الأمنية وكبار الجنرالات في الجيش من طائفةٍ بعينها، وجعلت الأغلبية الساحقة من ضحايا القتل والتهجير من طائفةٍ بعينها.

*شاعر وكاتب سوري - من كتاب زمان الوصل
(278)    هل أعجبتك المقالة (243)

أبو عادل

2019-09-18

بليغ يا أستاذ شرف الدين. سلامتك وسلامة قلمك وفكرك..


التعليقات (1)

تعليقات حول الموضوع

لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية
*يستخدم لمنع الارسال الآلي