بات محزنا، ومخزيا، ذلك الابتزاز الذي يمارسه دونالد ترامب مع السعودية في سياق "صراعها" مع إيران، وآخر أشكال هذا الابتزاز ما قاله ترامب صراحة تعليقا على هجوم "ارامكو": "أعتقد أنه من مسؤوليات السعودية أن تفكر في دفاعها بجدية، في حال كنا نساعدهم، فسيتطلب ذلك مشاركة مالية كبيرة منهم ودفع ثمن ذلك.. سيكون على السعوديين أن يلعبوا دورا كبيرا في حال قررنا أن نقوم بأي شيء، وهذا يشمل دفع الأموال، وهم يدركون ذلك تماما".4
إيران، وهي عدو "مفترض" لواشنطن، ولديها ما لديها من الأزمات الداخلية والخارجية، لكنها رغم ذلك لم تخضع للابتزاز، واختارت التعامل كندٍّ مع الولايات المتحدة وبريطانيا وقد بدا ذلك واضحا من خلال أزمة الناقلات في هرمز وصولا إلى الناقلة "أدريان داريا 1" التي أوصلت نفطها إلى نظام الأسد رغم الاعتراض الغربي المعلن على هذا الأمر، كل هذا ليس لأنها تمتلك من القوة العسكرية ما يؤهلها للرد، فربما امتلكت السعودية من الأسلحة ما هو أقوى بأضعاف، لكن إيران دولة تمتلك مشروع "الأمة" وتستثمر في سبيله عسكريا وميليشياويا وتتقن دراسة الجغرافيا البشرية والسياسية للمنطقة، بينما يتراجع مشروع الأمة لدى الطرف الآخر إلى ما دون مستوى الدولة، لتصبح الأحلام ومعها الإعلام عند سقف محاولة إرضاء القوى الدولية عبر "مشاريع" ترفيهية "انفتاحية" لا تحمل في داخلها إلا بذور انفجار المجتمع، وها هي لم تغن عن المملكة شيئا أمام استهداف ارامكو وابتزاز ترامب الذي يبدو أنه – الابتزاز- سيستمر لدورة رئاسية ثانية، فما وفرته أموال "الابتزاز" من فرص عمل تجاوزت المليون ونصف المليون فرصة كما قال ترامب نفسه، كفيلة بإبقائه في البيت الأبيض.
مثلما لا تمتلك إيران من القوة العسكرية كتلك التي تمتلكها المملكة، هي أيضا لا تمتلك ما لدى السعودية من مؤهلات كفيلة بجعلها قاطرة المنطقة، لكنها كما يبدو ما زالت تبتعد عن الاستثمار في القوى الحقيقية في المنطقة، قوة الشعوب، وهي القوة الحقيقية القادرة على مواجهة الأزمات، بل على العكس فهي في الوقت الذي يفترض فيه أنها تتعرض لهجوم "المشروع الإيراني" تقف على الضفة المناهضة لهذه القوة التي ترتبط وجدانيا وربما قوميا بجزيرة العرب.. المملكة ركن أساسي في المنطقة، واهتزازها يعني اهتزاز المنطقة، وما هو أبعد من المنطقة، ليس اقتصاديا فحسب بل روحيا، ولكن هذا الركن لن يكون في أحسن حالاته ما لم يُعِد بناء علاقاته مع البنى المجتمعية في سوريا والعراق واليمن.
"الابتزاز" والاستثمار بقوة الشعوب... حسين الزعبي*

*من كتاب "زمان الوصل"
تعليقات حول الموضوع
لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية