أعلنت أسماء الأسد، في مطلع الشهر الفائت "تعافيها التام" من مرض السرطان، لتبدأ بمستوى جديد من "حملتها الانتخابية" بعد أن عطفت واستعطفت، بكت وأبكت، وجالت حيث تقتضي الضرورة من الزيارات، إن إلى بيوت القتلى والجرحى، أو مراكز معالجة السرطان، كما كان للتعليم والطفولة، نصيبهما من تركيز الأسد الزوجة، قبل إعلانها عن الطور الجديد.
وفي الرابع من آب/اغسطس الفائت، كان ما يشبه "الصمت الانتخابي" بعد يوم من أول ظهورتلفزيوني للسيدة الأولى، إثر"هزيمتها السرطان كما هزم السيد الرئيس المؤامرة الكونية"، حكت خلالها بما "يطرب" المتلقي ويقربه منها عاطفياً، رغم، لم يفتها توزيع شهادات الوطنية وحسن السلوك، لتكتمل دائرة "الوعي الوطني" وتسويق فهمها لـ"اللعبة" وبطريقة ملتبسة وحمالة أوجه، يمكن لكل متلق أن يفهم ويفسر كما يشاء "من باع أرضه وترابه ووطنه وحمل السلاح في وجه أخيه السوري بأوامر من الغريب والذي لم يترك أي من الموبقات إلا وارتكبها تجاه أهل البلد وتراب البلد، هل يكون قد ترك مكاناً للأخلاق".
لتأتي، بعد يوم "الصمت الانتخابي" أفعال أكثر حتى من المتوقعة، فالسيدة الأسد وعلى ما يبدو، تعرف وجيداً، أن من يملك يحكم، أو تزيد فرصه وديمومة حكمه، فالمصالح هي من تحدد العلاقات عملياً، وليس "مكارم الأخلاق" كما باعت للمتفرجين السوريين خلال لقاء أقرب للمتقن والمشغول بحرفية، أو كما تقتضي المرحلة ويحب السوري أن يسمع، على أقل تقدير.
فبدأت ومذ تماثلها للشفاء من مرض أحجية، تعيد ترتيب أوراق، لم يسبق حتى لأنيسة مخلوف زوجة حافظ الأسد، أن تتدخل فيها أيام حكم الأب، طبعاً إلا في حدود دنيا تتعلق بتسلل أخيها "أبورامي" وإن بمراحل حياة الأسد الأخيرة.
وهنا، أشبه بنقطة نظام، ولأن جلّ الأمر يدور حول محمد مخلوف وأبنائه، فمن المفيد أن يعرف من لا يعرف، أن بشار الأسد أخلّ بأهم اتفاق أبرمه، وإن سراً، حافظ الأسد مع رأسماليي حلب ودمشق، أي المال مقابل السلطة، فأدخل بشار الأسد مشغلي أمواله، ليزيحوا البرجوازية التقليدية السورية.
وكان لرامي وأبي رامي وإخوة رامي، النصيب الأكبر في قهر المال السوري وخلط الأوراق، في حين آثر الأب، على إبقاء "حصة" محمد مخلوف، بعيدة عن الأضواء وإشعار أصحاب الرساميل السورية، أن أدوارهم الوظيفية محددة ويمكن أن يتبعوا لمحدثي النعمة، فمنحه مؤسسة التبع "الريجة" التي تبيض ذهباً، ومن ثم "المصرف العقاري" وذاع صيت أبي رامي ووصفه بـ"السيد عشرة بالمئة" لأنه لا يمنح أي قروض دونما حصة 10% تؤخذ، مسبقا من كتلة القرض.
وبالعودة إلى السيدة الأولى، ومن ضرورات المعرفة وليس الغرق بنظرية المؤامرة، ربما على من لا يعرف، أن أسماء صوت ويد بريطانيا بسورية، أن يعرف، فهي "الجنية التي تحولت إلى ساحرة" رغم لا علامات مميزة ولا بروز، مذ ولدت في عيادة "بادينغتون" عام 1975 وترعرعت في ضاحية "آستون"، ليبدأ ربما الرهان منذ الدراسة بمعهد "كينغز كوليج"، وتعزز خلال العمل بمصرف "جي بي مورغان" وانطلق -الرهان وربما التجنيد- بعد معرفتها ببشار الأسد، ليعيد التاريخ نفسه.
ونقصد بإعادة التاريخ هنا، ما حدث مع اللواء حافظ الأسد، خلال زيارته إلى المملكة المتحدة بهدف إجراء فحوصات طبية في ربيع عام 1965، وما قيل عن دور تلك الزيارة "وتأخره وتخفيه" في وصوله للسلطة وانقلابه على رفاقه وتعهده بإتمام مسرحيات عداء إسرائيل، التي بدأها بعد عامين فيما يسمى زوراً "النكسة" والذي لم يعد محض خيال ونبوءة حاقدين بعد وثائق بريطانية.
إذ بعض بعض الوثائق التي كشفتها بريطانيا تقول: شكر السيد ت. إي. إيفانز للسيد أ. سي. جوديسون (السكرتير الأول في السفارة البريطانية في دمشق) على رسالته ذات التسلسل EY 1224، والمؤرخة في التاسع عشر من أيار/ مايو، بما يخص زيارة اللواء حافظ الأسد، وامتنان السيد إيفانز للسيد جوديسون على ما قام به لأجل الأسد خلال وقت الزيارة القصيرة.
ودونما إطالة بتاريخ لمّا تتكشف كامل أسراره بعد، ربما يكفي أن نشير، كعناوين، لدور بريطانيا التاريخي في هندسة ووصول زعامات المنطقة وليس سوريا فقط، كمثل "ثالوث القهر وركائز بريطانيا بالمملكة السعودية والأردنية وسوريا"، ونذكر بما فعلته لوصول الأسد الأب، وما حركته قبل عامين من خلاف الأسد الأب مع أخيه رفعت، ورميها 27 وثيقة بوجه رفعت أو من يحاول عودته كبديل توافقي، وما تلا ذلك المسلسل، حتى اليوم، من تمهيد، ربما جميعه يدلل، إن لم نقل يؤكد، أن ثمة ما سيتم كشفه وليس بعيداً، حول أسماء الأسد و رئاسة سوريا.
ربما العثرة الأهم، أمام الخطة البريطانية وأسماء الأسد، هو محمد مخلوف المتجسد ببكره رامي، فالأب الثمانيني منهك ومريض وبالكاد، يرتب العلاقات المالية والمخابراتية الكبرى، مع روسيا وبعض أوروبا، في حين رامي الذي اعتزل الغرام والسياسة، بعد رسالته لإسرائيل ومنذ مطلع الثورة، تفرغ هو الآخر، لعمل الخير والأخذ بيد المرضى وطلاب العلم.
من ذلك ودنما استفاضة بما تكشّف أخيراً، رأينا الخلاف بين الأسد ومخلوف، والذي قادته أسماء، فحولت جمعية البستان "قوة رامي العسكرية بقالب إنساني" إلى ملكيتها"الأمانة السورية للتنيمة" وبدأت ب"حصر الإرث" ولملمة التشتت المالي الذي عبث به شركاء زوجها، لتنطلق وربما قريباً، بطور ما بعد بعد المرض والصمت الانتخابي وامتلاك سطوة المال.
خلاصة القول: كما أن الأفق بسوريا مسدود تجاه الخيال والتحليل، خاصة بعد سطوة المحتلين والتحكم حتى بمصائر السوريين، فهو واقعياً، مفتوح على سيناريوهات تبدأ ولا تنتهي.
أيضاً، فتح أفق سوريا الشهية، أمام التأويل وترك العنان، حتى للجنون بعالم منفلت لا يقبل أويتقبل، العقلاء والعقلانية.
فسوريا مقبلة بعد عامين على استحقاق رئاسي، وما جرى والذي يجري، يستدعي اقتسام نفوذ المحتلين دونما اصطدام، ولأن بشار الأسد، بات بعداد الموتى، أو رهان أحمق وخاسرعلى كل من يسعى لإبقاء سوريا الحامي لإسرائيل والمانعة لأي تطور محلي أو قاطرة إقليمية، لا بد من إبقاء الدور الوظيفي للبدل وإن بوجوه أخرى.
*من كتاب "زمان الوصل"
تعليقات حول الموضوع
لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية