ينظر كثير من السوريين إلى أن إعادة انتخاب الرئيس الإيراني أحمدي نجاد لولاية ثانية، سيعزز العلاقات الاستراتيجية بين سوريا وإيران، خاصة أنه الحليف القوي لسوريا طيلة ولايته السابقة، كما أعلن في إحدى خطبه في يناير عام 2007 قائلا :"إن أمن سوريا من أمن إيران"، فيما يعتقد البعض أن هذه العلاقات لاتتأثر بشخص الرئيس، لأن إيران تحكمها مؤسسات قوية هي صاحبة القرار في كل شيء، في حين يرى آخرون أن سياسة نجاد المتطرفة ستؤثر سلبا على السياسة السورية، التي بدأت تسلك منهجا معتدلا في تعاملها مع جميع الملفات الإقليمية والدولية.
عماد غليون عضو البرلمان السوري عن حزب العهد الوطني يرى أن فوز نجاد بالانتخابات يعني استمرار العلاقات الجيدة مع سوريا، لأنها علاقات استراتيجية وليست مؤقتة، إضافة إلى أن نجاد محكوم بسياسة مؤسسات متحالفة مع سوريا منذ ثلاثة عقود على أساس احترام المصالح المشتركة.
ولايعتقد غليون أن نجاد متطرف، لأنه يدافع عن مصالح بلاده المهددة من أمريكا واسرائيل، هو متطرف بالنسبة لأمريكا واسرائيل، أما نحن فننظر إليه على أنه يدافع عن شعبه، لذلك فإن "سياسته المتشددة لن تؤثر على سوريا ، بالعكس هو حليف قوي وهام بالنسبة لها" حسب قوله.
الكاتب والمحلل السياسي نضال نعيسة يعتقد أن سوريا وإيران ارتبطتا بتحالف استراتيجي استطاع الصمود في وجه المشروع الأمريكي الشرق أوسطي الرامي إلى تقويض هذا الحلف. معتبرا أنه من غير المحتمل أن يتعرض هذا التحالف لأية تحولات جذرية ، لأن الانتخابات الإيرانية لا تستطيع أن تحدث تحولاً في السياسة الخارجية الإيرانية طالما أن الرئيس الإيراني، أياً كان، ما هو إلا، درجة في تسلسل هرمي متين، ينتهي بالمرشد الأعلى علي خامنئي، الذي يمسك بيده كل شيء، وله القرار النهائي في كل ما يتعلق بالملفات الحساسة والهامة على حد تعبيره.
ويقول نعيسة: " انتخاب نجاد يعني استمراراً لتلك العلاقة الإستراتيجية مع سوريا، التي لا يُعتقد بأنها ستتعرض إلى أي نوع من التغيير، طالما أنها تخدم الطرفين وتعزز من قوتهما الإقليمية التي لا يمكن تجاوزها، وانفراط عقد هذا التحالف سيعني شيئاً واحداً، ألا وهو شرق أوسط جديد تكون السيادة المطلقة فيه لإسرائيل فقط".
ارتبطت سوريا وإيران بعلاقات استراتيجية منذ الثورة الإسلامية في إيران عام 1979، وأبرز مراحلها وقوف دمشق إلى جانب طهران خلال حربها مع العراق خلال الأعوام مابين 1980- 1988، كما تعتبر سوريا الدولة العربية الوحيدة التي ترتبط مع إيران بمذكرة تعاون دفاعي وقعت في منتصف يونيو عام 2006، إضافة إلى توقيع مذكرات تفاهم واتفاقيات اقتصادية وثقافية عديدة.
لكن المحلل السياسي حسين العودات له رأي آخر، إذ يعتقد أن المتطرف نجاد يبني سياساته في بعض الجوانب على أسس غير موضوعية وغير مستوفية للشروط والظروف الإقليمية والدولية، و"قد يكون تطرفه عقبة أمام نجاحات السياسية السورية".
ويشير العودات إلى أن السياسة السورية بدأت تميل بشكل أكبر إلى الاعتدال والهدوء والحوار، وتفهم المواقف الإقليمية والدولية، خاصة بعد أن تراجعت حدة الشعارات الداعية لمحاصرتها، مضيفا هذه السياسية المعتدلة تحتاج إلى مواقف أكثر اعتدالا في لبنان والعراق وفلسطين، وتميل أيضا إلى استئناف المفاوضات مع اسرائيل، إذا "السياسية السورية لاتلائمها سياسة نجاد المتطرفة وتصريحاته عالية الصوت".
وتختلف آراء الشارع السوري بالنسبة للتحالف السوري مع إيران ورئيسها المتشدد، فمنهم من يرى في أحمدي نجاد رئيسا لاتهمه سوى الشعارات، ومخاطبة عواطف الشعوب العربية، معتقدين أنه لم يقدم شيئا للقضية العربية حتى اليوم، في حين ينظر إليه آخرون على أنه الحليف القوي لسوريا في وجه اسرائيل.
هالة 29 وهي مدرسة من دمشق، ترى أن سوريا بحاجة إلى حليف قوي غير إيران، لابد من دولة أخرى كبريطانية أو فرنسا أو الولايات المتحدة تستطيع مساعدة دمشق، من خلال استثمار أموالها والنهوض بالاقتصاد السوري، مضيفة "مايهمنا الوضع الاقتصادي الذي يحتاج إلى علاقات قوية مع الغرب، حتى لوكان ذلك على حساب العلاقات الجيدة مع طهران".
وتكمل هالة:" لاينقصنا الشعارات التي يرددها نجاد، نحن شعوب عربية تحكمها العواطف، لابد من الانفتاح على الغرب، ثم من يضمن أن إيران لاتسعى للسيطرة على المنطقة العربية، فهي على وشك أن تصبح دولة نووية، على إيران الاهتمام بمشاكلها الداخلية قبل أن تفكر باستغلال الشعوب العربية لمصالحها".
في حين يعتبر محمود الحمودي 41 عاما وهو موظف من مدينة دمشق، أن نجاد سيستمر في نفس النهج بالنسبة لعلاقته مع سوريا، فالمراكز الثقافية الإيرانية والاتفاقيات الاقتصادية مستمرة بين البلدين وتدعم هذا التحالف، معتبرا أن "انتخاب نجاد جاء كتعويض لخسارة حزب الله حليف سوريا في الانتخابات اللبنانية".
تتزامن إعادة انتخاب الرئيس الإيراني أحمدي نجاد، مع زيارة جورج ميتشل المبعوث الأمريكي للسلام في الشرق الأوسط مؤخرا إلى دمشق، الأمر الذي اعتبره بعض المراقبين بداية الطريق في تطبيع العلاقات السورية الأمريكية، فيما اعتبره آخرون انفتاحا حذرا من قبل الإدارة الأمريكية على سوريا ومجرد جس نبض للمواقف السورية.
نضال نعيسة يعتقد أن زيارة ميتشل إلى سوريا تأتي تتويجاً لسلسلة من الإنجازات الدبلوماسية السورية، وكنتيجة للتغيير الذي أحدثه مجيء أوباما للبيت الأبيض، ومحاولته إعادة فتح كل القنوات التي أغلقتها الإدارة الأمريكية السابقة في وجه الانفتاح على سورية الذي تأكد للجميع، بأنها رقم إقليمي من الصعب تجاوزه.
ويوضح نعيسة أنه إذا حققت الزيارة مصالح الطرفين، يمكن الحديث عن نجاح وفشل الزيارة، وما عدا ذلك مجرد تفاصيل لا أهمية لها، أعتقد أن "الحاجة الأمريكية لسوريا، في هذه المرحلة بالذات هي أكبر من الحاجة السورية لأمريكا، لاسيما أن أمريكا ما زالت تترنح من وقع هزائم عسكرية وسياسية مجلجلة أودت بسمعتها ومصداقيتها كثيراً، تحتاج بالتأكيد أكثر من مجرد خطاب عاطفي مؤثر بليغ".
إلا أن حسين العودات يعتبر أن تطبيع العلاقات السورية مع الولايات المتحدة، لن يكون بالضرورة على حساب علاقتها مع إيران، و"لكن ذلك يقتضي منها مواقف معتدلة، ولا ينسابها تصريحات نجاد التي تدعو لإزالة اسرائيل من الوجود مثلا"، حتى لو كنا مؤمنين بهذا الهدف، فشعاراته المتطرفة غير ضرورية في هذه المرحلة، لأن سوريا تدعو إلى نمط جديد من العلاقات مع أمريكا، أوروبا، العراق، ولبنان.
ويضيف العودات:"اعتقد أن أحد نقاط ضعف خطاب أوباما في القاهرة هو عدم ذكر الأراضي السورية المحتلة، متوقعا أن تشهد العلاقات الأمريكة السورية تطورا في المستقبل، لكنه تطور بطيء يحتاج إلى الوقت والتأني".
عماد غليون يوضح أن زيارة ميتشل لم تصل إلى مرحلة الحوار الجدي مع سوريا، مشيرا إلى أنها "اتصالات لجس النبض ومراجعة العلاقات بين البلدين ، ربما تؤسس لحوار حقيقي فيما بعد"، فالنتائج مرهونة بالموقف الأمريكي الذي لم يتضح حتى الآن تجاه سوريا، ثم إن ميتشل "لم يقدم مشاريعا وأفكارا حقيقية للقضية العربية والفلسطينية".
ويتابع غليون: " أهم مافي هذه الاتصالات، هي أنها جعلت أمريكا تتراجع عن فكرة عزل سوريا وتعترف بدورها في المنطقة، وعدم استبعادها من أي حل مستقبلا".
ولايتفاءل محمود الحمودي كثيرا بتصريحات ميتشل، فهي لم تتضمن شيئا جديدا يمكن أن يساعد في حل الصراع، فهي مجرد زيارة روتينية وليس انفتاحا أمريكا، كالزيارات التي حصلت في الإدارات الأمريكية السابقة، مضيفا "ربما تحاول الإدارة الحالية وضع شروط مسبقة للتفاوض مع سوريا فيما يخص علاقتها مع إيران وحزب الله وحماس، لكن سوريا سترفض كعادتها، وليس من مصلحتها تقديم أية تنازلات، صحيح أنها كسرت الجليد فيما يخص علاقتها مع العرب لكنها استمرت في علاقاتها مع طهران".
ميلاد بركات 27 عاما، يتوقع أن "العلاقات السورية الإيرانية ستستمر بنفس السوية التي كانت عليها سابقا، بالتوازي مع علاقات جيدة مع واشنطن"، لأن المناخ العام يشير إلى أن تسوية سياسية ما قد تحصل بين جميع هذه الأطراف على حد قوله.
ويضيف بركات: "عندما كانت سوريا محاصرة، طلبت الولايات المتحدة من سوريا فك ارتباطها مع طهران، لكنها رفضت، واليوم بعد أن خرجت سوريا من عزلتها، من الطبيعي أن ترفض هذه المطالب".
تعليقات حول الموضوع
لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية