أدخل كلمات البحث واضغط على إدخال.

رَقم وغلف جثثا.. معتقل سابق يروي "يوميات الجحيم" في فرع المنطقة 227

المحيسن - زمان الوصل

رغم أن فترة اعتقاله لم تتعدَّ السنة إلا أنها خلفت في ذاكرة الشاب "ابراهيم حسين المحيسن" ندوباً لا يشفيها الزمن عما عايشه وعاناه ورآه داخل فرع المنطقة (227) سيئ الصيت الذي كان يرأسه اللواء المقتول "رستم غزالي" قبل أن يصبح نائباً لرئيس شعبة المخابرات العسكرية.

ويعتبر هذا الفرع مسئولاً عن آلاف حالات الاعتقال التعسفي والاختفاء القسري، إضافة إلى القتل الجماعي لعشرات المعتقلين تحت التعذيب منذ بداية الثورة السورية.

وكان "المحيسن" الذي ينحدر من مدينة "محجة" بريف درعا الشمالي قد اعتقل مطلع أيار مايو/2011 في منطقة "السيدة زينب" أثناء عمله في أحد فنادقها من قبل مفرزة الأمن العسكري بتهمة مساعدة اللاجئين من منطقة "بابا عمرو" بمنطقة "السيدة زينب" وتسهيل أوضاعهم دون إخبار السلطات، وعلى الفور قام عناصر الحاجز باعتقاله ووضع عصابة على عينيه وتقييده وتوجهوا به إلى فرع المنطقة المعروف برقم (227).

وروى "محيسن" لـ"زمان الوصل" أنه عرف باسم الفرع من السجناء المعتقلين قبله، وتم وضعه في السجن الجديد ففرع المنطقة -حسب قوله- ينقسم إلى قسمين، السجن القديم والسجن الجديد الذي هو عبارة عن جماعيتين مرقمتين بـ (ج1 وج 2) وغرف 3×3 م تضم ما بين 65 -70 معتقلاً، وكان من ضمنهم شقيق "محيسن"، الذي لم يكن قد تجاوز 17 من عمره ليقضي تحت التعذيب فيما بعد.

مع بدء اعتقاله تعرض "محيسن" لتعذيب شديد وتم شبحه ووضعه على الكرسي الألماني وأدى التعذيب -كما يقول- إلى كسر في الفقرة الرابعة والخامسة من عموده الفقري وإلى حروق في كافة أنحاء جسده جراء إطفاء السجائر فيه من قبل المحققين والعناصر.

وشهد محدثنا –كما يقول- العشرات من حالات التصفية انتقاماً من أبناء مناطق بعينها في ريف دمشق، فحينما تمت تصفية عقيد يُدعى علي، وهو مسؤول فرع المنطقة بمنطقة "القدم" دخل عناصر السجن إلى الزنزانات وسألوا مَنْ من منطقة "القدم"، وتم إخراجهم كلهم وتصفيتهم في"كردورات" داخل الفرع، وكشف المصدر أنه كان شاهداً على إحدى هذه التصفيات التي حصلت على كرسي حيث تم إمالة جسم المعتقل بعكس حالته الطبيعية لفترة ما يقارب الساعة إلى أن تم كسر ظهره وفارق الحياة، وتمكن محدثنا من رؤية حالة التصفية آنذاك بحكم تعيينه "شاويش" مسؤولاً عن طعام المعتقلين.

*ترقيم الجثث
إضافة إلى مهمة إطعام المعتقلين أُجبر "محيسن" على مهمة تغليف جثث الضحايا منهم، فحينما تتم تصفية أحدهم في "الكرادور" ويتأكد الطبيب من وفاته كان يأتي بكيس بلاستيك له سحاب وقلم "فولمستر" أسود، ويطلب من الشاويش "محيسن" ومن معه من المعتقلين أن يكتبوا رقماً يمليه عليهم على جبهة المعتقل الميت، وبعد إغلاقه يكتب الرقم ذاته على الكيس، وكان "محيسن" ومن معه يقومون بحمل الجثة عبر طريق ضيق ضمن السجن إلى ساحة خارجه.

وكشف محدثنا أن سيارة كيا 4000 لوحتها 744544 كانت مخصصة لنقل جثث الضحايا، وعندما يصل رقم الجثث إلى 76 كانت السيارة تخرج من السجن إلى جهة مجهولة، مضيفاً أن آخر جثة قام بترقيمها كانت قبل خروجه من المعتقل بيوم.

بتاريخ 18 يوليو تموز/2012 تم تفجير خلية الأزمة في مبنى الأركان بسيارة مفخخة، وقام السجانون بإغلاق الأبواب والنوافذ (الشراقات)، وتم قطع الكهرباء.

وروى "محيسن" أنه بقي مع رفاقه السجناء لثلاثة أيام دون طعام أو شراب وتوفي حينها سبعة معتقلين في الغرفة (ج2) في الطابق الأعلى من المعتقل، إثنان منهم من "الحجر الأسود" وتم تصفية معتقلين من منطقة "الذيابية" بريف دمشق بتهمة تفجير سيارة بفرع أمن الدولة في "السيدة زينب"، كما توفي معتقلون آخرون من "جديدة عرطوز".

بعد ثلاثة أيام تم إخراج المعتقلين المنسيين إلى الحمامات وكان عناصر السجن يقفون في الممرات ويحملون كرابيج يضربون الخارجين والعائدين إلى الزنزانة بها ومن يتأخر في الحمام بعد 5 عدات يتم إخراجه إلى "راغار ماء-مكهرب"- فيه كبل كهربائي وكان المعتقل بعدها إما أن يدخل في غيبوبة أو يموت.

*ضابط قتلته شعبيته
توقف في المنفردة 7 ضباط برتبة ملازم أول من "تلكلخ" بريف حمص الغربي يُدعى "علاء محمد" كان يخدم في (اللواء 20) في الفرقة الثالثة في "القطيفة"، وتمت تصفيته فيما بعد لسبب لا يخطر على بال أحد.

وروى محيسن أنه سأل رفيقه الضابط عن تهمته فأجاب أنه جاء إلى اللواء صباح أحد الأيام فوجد قائد اللواء يحاول معاقبة بعض العناصر، ولكنهم كانوا يتجاهلون أوامره وحينها طلب محمد من اللواء أن يقوم بتعذيبهم ففوجئ الثاني بأن العناصر بدؤوا بالاستجابة وتنفيذ أوامره، وحينها قال له إن "القذافي قتلته شعبيته".

وأدار ظهره وذهب، وبعد ساعتين فوجئ الملازم بدورية من فرع المنطقة تأتي وتعتقله بتهمة التجهيز لانشقاق كبير داخل اللواء 20 وتم تصفيته داخل فرع المنطقة بوضعه على كرسي وكسر ظهره ثلاث مرات وبعد شهر حصل معه نزيف ليتوفى داخل المنفردة (7).

*المعتقل الذي عاد من الموت
ومن القصص المؤلمة التي شهدها المعتقل السابق داخل الفرع 227 قصة معتقل مسن 70 عاماً من منطقة "عربين" بريف دمشق انشق ابنه في مدينة "حمص" وقبل وصوله إلى منطقة "يبرود" اتصل بوالده الذي جاء ومعه هوية ابنه الثاني وعند وصولهم إلى حاجز الفرقة الثالثة تم اعتقالهما، وتم وضع الأب في فرع المنطقة بالغرفة ج 2 والابن في مكان آخر غير معروف، وكان الأب ـ حسب المصدر- يتنبه لسماع صوت تعذيب أي معتقل في الزنزانات المجاورة متخيلاً أنه ابنه.

وتابع محدثنا أن المسن العربيني كان يركّب بدلة أسنان فتظاهر بأن سنه يؤلمه ليخرج إلى الحمام، ولكن السجان اكتشف الأمر فطلب منه أن ينزع البدلة وأجبر "محيسن" أن يتبول عليها، وحينها أمر المسن بأن يحملها يضعها في فمه رغماً عنه وبعد ساعة أصيب بجلطة وتابع: "بعد إخراج المسن ووضعه في الكريدور بانتظار الطبيب لكتابة رقم الميت مر المساعد "نمر"، فضربه بعصا كهربائية كانت في يده وحينها استعاد المعتقل وعيه".

وأردف محدثنا أنه أصيب ومن معه بحالة من الرعب الخوف وعندما جاء الطبيب، وعرف بالقصة طلب من العناصر أن يضربوا المسن وفعلاً تم ضربه إلى أن فارق الحياة وتم وضعه بكيس نايلون حمل الرقم 620.

تم تحويل "محيسن" إلى القضاء العسكري ليتم الإفراج عنه وفور وصوله إلى بلدته "محجة" بريف درعا توجه إلى الحدود الأردنية، وكان جسده محروقاً ووزنه لا يتجاوز 30 كيلو -كما يقول- بعد أن كان قبل الاعتقال 94 كم.

وكشف محدثنا أن زوجته كانت على وشك الولادة، ولكنه أصر على الخروج من سوريا حتى أنها ولدت ـ كما يقول ـ على الشبك الحدودي.

فارس الرفاعي - زمان الوصل
(311)    هل أعجبتك المقالة (259)
التعليقات (0)

تعليقات حول الموضوع

لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية
*يستخدم لمنع الارسال الآلي