أدخل كلمات البحث واضغط على إدخال.

متى تنفجر خرائط العالم؟.. حسين الزعبي*

من غوطة دمشق - أرشيف

كثيرة هي الأحداث التي لم يكن ما قبلها كما بعدها، وشكل وقوعها نقطة تحول في حياة ‏شعوب بأكملها وأزالت دولا عن الخريطة وأوجدت أخرى، وإذا ابتعدنا عن رومانسية ‏التحولات التي أوجدتها الاختراعات البشرية وكانت تأخذ عادة مسارات تراكمية، فإن ‏جميع الأحداث التي خلقت تحولات كبرى كانت ممهورة بدم آلاف الأبرياء إن لم يكن ‏ملايين الأبرياء، وإن حدث خرق لهذه الحالة فهو استثناء يؤكد ما يبدو أنه قاعدة.‏

ومن أمثلة الاستثناء، توحد الألمانيتين، الشرقية والغربية، إثر انهيار جدار برلين بفعل ‏شعبي يستند إلى رغبة سياسية محلية ودولية، ومعه انهيار المنظومة السوفييتية في أوروبا ‏الشرقية.‏

أما إن أردنا الإشارة إلى تلك التي أوجدت بحورا من الدم، فقد نبدأ بحادثة اغتيال ولي عهد ‏النمسا فرانز فرديناند مع زوجته في سراييفو يوم 28 حزيران 1914 على يد الصربي ‏‏"غافريلو برينسيب" التي أعلنت بدء الحرب العالمية الأولى واستمرت أربع سنوات مخلفة ‏‏16 مليون قتيل بين مدني وعسكري، ولا ننتهي بحالة "فائض القوة" لدى هتلر المشبع ‏بالنزعة القومية واجتياحه لبولندا في العام 1939 معلنا بشكل رسمي بدء حرب استمرت ‏ست سنوات، تشير بعض الإحصاءات إلى أنها خلفت 80 مليون قتيل.‏

يوم الأربعاء، يصادف الذكرى السنوية لهجوم 11/ أيلول/2001 "المثير للجدل"، الذي ‏استهدف برجي التجارة العالمية في مدينة نيويورك، وأسفر عن مقتل أكثر من ألف شخص ‏بحسب الإعلان الأمريكي، ولن نذهب هنا إلى حالة التشكيك بحقيقة ما حدث وأسبابه سواء ‏أكانت برغبة استخباراتية داخلية أم بغباء خارجي لمن اتهم بتنفيذه، لكن الهجوم شكل نقطة ‏تحول كبرى، في مسار منطقتنا عبر استثماره من قبل "المحافظون الجدد" في الإدارة ‏الأمريكية في حينه، ومنحهم فرصة الانقضاض على أفغانستان وتدمير ما بها من خرائب ‏عمرانية وبشرية، ومن ثم تدمير العراق وتفتيت بناه المادية والمجتمعية، وتحويله من بلد ‏يطفو على بحر من البترول، إلى بلد من تحته نفط منهوب ومن فوقه أنهار من الدماء، ‏ناهيك عن إغراق المنطقة بالقواعد الأمريكية، وفتح الباب واسعا أمام إيران غربا باتجاه ‏بغداد وصولا للمتوسط، وشرقا إلى أفغانستان.‏

أحداث أيلول/ سبتمبر التي جاءت في وقت كان العالم فيه قد فقد ثنائيته التي حافظت على ‏شيء من السلام، أو ما سمي بالحرب الباردة، الأمر الذي دفع بالمحافظين الجدد إلى ‏استعراض قوتهم وتنفيذ رؤاهم "الدينية"، بات اليوم ليس وحيد بالقطب بالمعنى السياسي ‏فحسب، بل بالمعنى الاقتصادي، فلا مدارس اقتصادية ولا صراع أفكار، ولا رؤى فلسفية ‏جديدة تؤسس لعالم مختلف، فمن يعيش في مجاهيل أفريقيا يستخدم تقنيات الاتصال نفسها ‏التي يستخدمها من هو في أعماق الصين، التي تخلت عن شيوعيتها واشتراكيتها، ومثله ‏الذي يعيش في أوروبا الغربية وبدأ يفكر بالهجرة لاستراليا عله يجد أو يؤسس فيها لما هو ‏جديد.. ربما الجميع سواء أدركوا ذلك أم لم يدركوه، ينتظرون حدثا يفجر خرائط العالم.‏

*من كتاب "زمان الوصل"
(181)    هل أعجبتك المقالة (197)
التعليقات (0)

تعليقات حول الموضوع

لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية
*يستخدم لمنع الارسال الآلي