كثيرة هي الأحداث التي لم يكن ما قبلها كما بعدها، وشكل وقوعها نقطة تحول في حياة شعوب بأكملها وأزالت دولا عن الخريطة وأوجدت أخرى، وإذا ابتعدنا عن رومانسية التحولات التي أوجدتها الاختراعات البشرية وكانت تأخذ عادة مسارات تراكمية، فإن جميع الأحداث التي خلقت تحولات كبرى كانت ممهورة بدم آلاف الأبرياء إن لم يكن ملايين الأبرياء، وإن حدث خرق لهذه الحالة فهو استثناء يؤكد ما يبدو أنه قاعدة.
ومن أمثلة الاستثناء، توحد الألمانيتين، الشرقية والغربية، إثر انهيار جدار برلين بفعل شعبي يستند إلى رغبة سياسية محلية ودولية، ومعه انهيار المنظومة السوفييتية في أوروبا الشرقية.
أما إن أردنا الإشارة إلى تلك التي أوجدت بحورا من الدم، فقد نبدأ بحادثة اغتيال ولي عهد النمسا فرانز فرديناند مع زوجته في سراييفو يوم 28 حزيران 1914 على يد الصربي "غافريلو برينسيب" التي أعلنت بدء الحرب العالمية الأولى واستمرت أربع سنوات مخلفة 16 مليون قتيل بين مدني وعسكري، ولا ننتهي بحالة "فائض القوة" لدى هتلر المشبع بالنزعة القومية واجتياحه لبولندا في العام 1939 معلنا بشكل رسمي بدء حرب استمرت ست سنوات، تشير بعض الإحصاءات إلى أنها خلفت 80 مليون قتيل.
يوم الأربعاء، يصادف الذكرى السنوية لهجوم 11/ أيلول/2001 "المثير للجدل"، الذي استهدف برجي التجارة العالمية في مدينة نيويورك، وأسفر عن مقتل أكثر من ألف شخص بحسب الإعلان الأمريكي، ولن نذهب هنا إلى حالة التشكيك بحقيقة ما حدث وأسبابه سواء أكانت برغبة استخباراتية داخلية أم بغباء خارجي لمن اتهم بتنفيذه، لكن الهجوم شكل نقطة تحول كبرى، في مسار منطقتنا عبر استثماره من قبل "المحافظون الجدد" في الإدارة الأمريكية في حينه، ومنحهم فرصة الانقضاض على أفغانستان وتدمير ما بها من خرائب عمرانية وبشرية، ومن ثم تدمير العراق وتفتيت بناه المادية والمجتمعية، وتحويله من بلد يطفو على بحر من البترول، إلى بلد من تحته نفط منهوب ومن فوقه أنهار من الدماء، ناهيك عن إغراق المنطقة بالقواعد الأمريكية، وفتح الباب واسعا أمام إيران غربا باتجاه بغداد وصولا للمتوسط، وشرقا إلى أفغانستان.
أحداث أيلول/ سبتمبر التي جاءت في وقت كان العالم فيه قد فقد ثنائيته التي حافظت على شيء من السلام، أو ما سمي بالحرب الباردة، الأمر الذي دفع بالمحافظين الجدد إلى استعراض قوتهم وتنفيذ رؤاهم "الدينية"، بات اليوم ليس وحيد بالقطب بالمعنى السياسي فحسب، بل بالمعنى الاقتصادي، فلا مدارس اقتصادية ولا صراع أفكار، ولا رؤى فلسفية جديدة تؤسس لعالم مختلف، فمن يعيش في مجاهيل أفريقيا يستخدم تقنيات الاتصال نفسها التي يستخدمها من هو في أعماق الصين، التي تخلت عن شيوعيتها واشتراكيتها، ومثله الذي يعيش في أوروبا الغربية وبدأ يفكر بالهجرة لاستراليا عله يجد أو يؤسس فيها لما هو جديد.. ربما الجميع سواء أدركوا ذلك أم لم يدركوه، ينتظرون حدثا يفجر خرائط العالم.
متى تنفجر خرائط العالم؟.. حسين الزعبي*

*من كتاب "زمان الوصل"
تعليقات حول الموضوع
لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية