أدخل كلمات البحث واضغط على إدخال.

مرثاة العاجز... ماهر شرف الدين*

كلّ شيء سقط في سوريا، إلا ما كان يجب أن يسقط

كأني في بلادٍ لستُ منها
                     إذا قال المذيع: هنا دمشقُ
عيسى عصفور - شاعر سوري راحل

الانهيار المتسارع لليرة السورية في الآونة الأخيرة، يُعجّل باقتراب حصول "مجزرة" معيشية قياساً لها سيُعتبر ما عاناه السوريون من شظفٍ وبؤسٍ، في الفترة الماضية، مجرَّدَ تمرينٍ عليها.

إنَّ الأسى لا بدَّ أن يعتصر قلبَ كلّ وطنيّ سوري وهو يرى إلى شعبه مبتعداً، نزولاً، أكثر فأكثر، تحت خطّ الفقر، دون أن يكون في وسعه عمل شيء، سوى كتابة مرثاةٍ من تلك المراثي التي اعتاد على تدبيجها، في الكوارث الكبرى، قليلو الحيلة.

اليوم، الغالبية العظمى من السوريين هم من هذه الفئة التي تشاهد بلادها وهي تعيش سقوطاً حرَّاً، بأرضها ومجتمعها وعمرانها واقتصادها، بل وحتى بقِيَمها، دون أن يكون في مقدورها تحريك شيءٍ سوى المواجع.

مجازر الدماء، على أنواعها، ستقف على ضفَّتها مجزرةٌ من نوع آخر ستطال الذين تمَّ احتسابهم من فئة الناجين.

سيكونون على موعد مع مجزرة معيشية كبرى ستُضاف إلى قائمة المجازر التي ارتكبتها العصابة الحاكمة، مع فارق أنها هذه المرَّة ستطال الجميع دون أيّ تفرقة طائفية أو مناطقية.

وما يزيد في آلام الوطنيين، أنه في السياسة ووجهات نظرها قد عَلِقَ السوريون بين رأيَيْن حول انهيار العملة الوطنية: رأيٌ يقول بأنَّ انهيارها يُعجِّل في انهيار اقتصاد العصابة، ورأيٌ يقول بأنَّ انهيارها لن يُعجِّل إلا في انهيار ما تبقَّى من حياةٍ للسوريين الذين وصل راتب الموظَّف منهم إلى ما يُعادل عشرين دولاراً شهرياً، بينما يجلس السفَّاح وحاشيته بمنأى عن ذلك كلّه.

مئات آلاف المهجَّرين الذين هم الآن بلا مأوى حقيقي، سوى خيام النايلون والـمَغاور وأشجار الزيتون التي تتَّخذ مئات العائلات من ظلالها مسكناً، بدأوا بالارتعاش برداً لمجرَّد فكرة اقتراب فصل الشتاء.

وبين بؤسَيْن، سُمّيا مجازاً "مناطقَ"، تمَّ تقسيم السوريين: فمناطق تتمدَّد محكومةٌ من عصابة طائفية مدعومة من دول ومحاور وميليشيات عابرة للحدود، ومناطق تتقلَّص محكومةٌ من شراذمِ فصائل قادتها مَنْ لم يكن منهم تكفيرياً مُعادياً للعصر والحداثة، كان عميلاً لاستخبارات الدول، إلا من رحم ربّي من قادةٍ شرفاء قضى معظمهم ومن بقيَ منهم فيده على سلاحه دفاعاً عمَّا تبقَّى له من أرضٍ وأملٍ.

ومع توالي سقوط الليرة، ومع توالي سقوط المناطق، ومع توالي سقوط الأمل... يسقط ما كان يجب أن يبقى، ويبقى ما كان يجب أن يسقط.

*شاعر وكاتب سوري - من كتاب زمان الوصل
(253)    هل أعجبتك المقالة (252)

كأني في بلادٍ لستُ منها

2019-09-10

لا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم كلام موجع ولكنه الحقيقة ما لنا غيرك يا الله.


التعليقات (1)

تعليقات حول الموضوع

لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية
*يستخدم لمنع الارسال الآلي