أدخل كلمات البحث واضغط على إدخال.

صوتوا للأسد رغماً عنهم...د . عوض سليمان

هذه سنوات مرت علي وأنا أكتب مقالاتي في صحف مرموقة ومقدرة، لم أحاول فيها يوماً أن أكون مصفقاً لشخص بعينه، متعبداً له من دون الله تعالى، ولا بأس أن أذكر هنا سريعاً أنني توقفت عن الكتابة في إحدى الصحف، لأن المحرر المسؤول غير كلمتين من مقال لي فجعل المادة تبدو وكأنها توسل للحكومة السورية فتنتبه إلي وتقربني إليها. بيد أنني أتبع أفكار الأئمة الأربعة رضي الله عنهم، في وجوب الحذر من التذلل للسلطان والخضوع لديه.

هذه المقدمة، فقط ليعلم القارئ أنني لا أقصد مدحاً للرئيس السوري بشار الأسد ولا تزلفاً له أو نفاقاً، إنما هي قناعة وفكرة أنافح عنها وأجادل فيها.

مِن الذين حاولوا، ولا يزالون، إطلاق النار على الرئيس الشاب، هم أعضاء المعارضة التي تستقوي بالخارج، تلك المعارضة المستعدة لبيع الأوطان والنيل مما يصان في سبيل رصاصات توجه إلى صدر الرئيس فتمنحهم نفوذاً في سورية ليتحكموا بشعبها ويسرقوا خيراتها، وهم اليوم يحلمون بما حلم به أحمد الجلبي وأشباهه يوماً، فرفضتهم الشعوب وما احترمهم الإرهابيون الأمريكان ولا غيرهم. على رأس هؤلاء فريد الغادري، وعبد الحليم خدام، والبيانوني، ، وإذ كان الحديث عن هذه المعارضات الهشة حديثاً عبثياً لا أرى فائدة مباشرة منه، إلا أنني أردت أن أوضح كيف انفلتت الطلقات من أسلحتهم تجاه الرئيس فأصابتهم في مقتل وجعلتهم سخرية من لا طُرْفة عنده.

الغادري لن يكون مرغوباً من أي سوري، بل من أي عربي أو مسلم، بعد زيارته الذليلة للكيان الصهيوني المجرم، فالرجل فقد كل أوراقه بانتظار نهاية مأساوية له، إما أمام القضاء في بلده وإما أمام من وثق به فسلمه كرامته. أراد أن يزور الصهاينة للضغط على الرئيس بشار الأسد وبالتالي إطلاق النار عليه، ومن الطبيعي أن يتساءل الناس: أ فللغادري إذا مصلحة مشتركة مع العدو في التصويب إلى الرئيس؟ أ فلا ترغب الصهيونية بالتخلص من كل وطني، يقف في وجهها؟، ولما كانت الإجابة بنعم، كسب الرئيس الأسد جولة من المعركة دون جهد منه أو تعب. فقد منحه الغادري هدية قربته إلى الجماهير وزادت ثقتهم به.

ولأن الغادري لا يدرك ما يقول أطل علينا في الشهر التاسع من العام الماضي، فأكد لنا سقوط النظام السوري في شهر تشرين الثاني/ نوفمبر من العام نفسه. فصغّر نفسه أكثر فأكثر، إذ مرّ تشرين وستمر تشارين ولن يسقط النظام في دمشق، فما نفع المسكين لباسه ولا ربطة عنقه، ولا انحناء جبهته أمام الأمريكان، ويفضل الناس عند مشاهدته على الشاشة البحث عن فيديو كليب في محطة ترفيهية على الاستماع له أو الانتباه إلى ما يقول. فمنح من حيث لا يعلم رئيس البلاد ثقة أكبر بين السوريين وساعد على التصويت له.

عبد الحليم خدام، عاش في سورية حاكماً، يأمر وينهى ويعب الخير عبّاً، ما انتبه إلى الفساد طيلة ثلاثين عاماً، نسي في زحمة المهمات المنوطة به أن ينتبه إلى الفساد والمفسدين، ليس فحسب، فإذا تكلمت عن الفساد ولو تلميحاً حُدّ في ظهرك من قبل عبد الحليم خدام نفسه. أما عائلته وأولاده، ومن العمل الشريف براتب مائة أورو شهريا، تملكوا نصف سورية بمزارعها وأطيانها وبقرها ودجاجها. فلمّا آل الحكم إلى الأسد الابن، غادر عبد الحليم خدام إلى فرنسا لأنه لا يستطيع العيش بين المفسدين ولا معهم، وبكى على الشعب السوري الفقير، ووصفه بأنه الشعب الأول في ارتياد القمامة وأنه، أي فارس عصره، سيخلص هذا الشعب من الفقر ويرفع الظلم عنه، ويسحق الفساد برجليه كلتيهما. لم يتكلم صاحبنا هنا عن أبطال الفساد وقصصه في سورية لما كان مسؤولاً كبيراً يحرم انتقاده كما تحرم الصلاة دون وضوء!!

وتسائل الناس مرة أخرى، نحن نعرف من هو عبد الحليم خدام بالضبط،، بل بالتفصيل الممل، فما له يتكلم اليوم عن الفساد والمفسدين والرشوة والمرتشين، فلعله مُنع من الصدقات فسخط. فقال الناس في سريرتهم ما انقلب هذه الرجل على الرئيس إلا بسبب رغبة الأخير في التخلص من الأول ونحن لا شك مع الرئيس في التخلص منه، وإذ برصاصات خدام الموجهة إلى الأسد تنقلب عليه، وكسابقه، ينتظر السوريون تصريحاته ليصنعوا منها النكات.

وزاد الطين بلة، أن عبد الحليم خدام انبرى في كل مناسبة للتبشير بسقوط الأسد وحدد لذلك تواريخ، شأنه شأن الألوسي وكاتبي " حظك اليوم" في الصحف العربية، حيث مرت كل تلك التواريخ، فما زادت النظام في سورية إلا تمكناً من قول وفعل، وهكذا لم يبق للرجل كثير ممن يثق بكلامه ويسمع تمتماته.

أما ما جعل الطين بلا قوام من كثرة صب الماء عليه، فهو أن السيد خدام، اتهم سورية بقتل الحريري، وهكذا، علم الناس أن الرجل لا يبالي أن تحتل أمريكا دمشق طالما أنها ستأتي به زعيماً أو نائباً للزعيم. ومن يجهل من العامة فضلاً عن الخاصة سبب اغتيال الحريري ومن قتله وماذا يطبخ لسورية في دول الإجرام العالمي؟!! وماذا يراد من المحكمة ولواحقها. فكيف تصطف الجماهير مع من لا يبالي ببلاده ولا يخاف عليها؟. وكيف تقتنع الجماهير بأن شخصاً كهذا يفكر بالشعب السوري ويخاف عليه ويريد إنقاذه. وكصاحبه، ساعد عبد الحليم خدام الرئيس الأسد في الاستفتاء الأخير، فأعطاه آلاف الأصوات.

لم يكن كثير من الناس يتعاملون مع البيانوني على أنه خائن أو عميل، بل قام بعض أعضاء مجلس الشعب في سورية بمحاولة الإصلاح بينه وبين النظام، وتقدمت الأمور قليلاً في هذا الاتجاه. ولكن البيانوني كان متأكداً أيضاً أن النظام إلى زوال قريب، وكصديقَيْه صرح في وسائل الإعلام أن المسألة مسألة وقت، ولعله شعر في لحظة ما أنه على حق فالضغوط الصهيو – أمريكية تعاظمت على سورية، حتى ظن الجاهلون في التاريخ، أن سورية كلها إلى زوال. ولهذه الأسباب أسرع صاحبنا إلى التحالف مع خدام، والاتصال بالغادري طالباً منه فتح قنوات مع إدارة بوش الإرهابية. فأسقط نفسه من عيون الناس. وأخذ كثير من المتابعين وحتى البسطاء يتساءلون فيما إذا كان الإسلام يجيز التحالف مع الفسدة أو الاتصال بالعدو. وإمعاناً في الخضوع صرح البيانوني أنه مستعد لإجراء محادثات سلام مع العدو الصهيوني، فماذا بقي منه إذاً حتى نظن فيه الزعامة أو نعقد عليه الآمال.

وقبل فترة وجيزة هدد صدر الدين البيانوني المقيم في لندن، أن عصياناً مدنياً عاماً سيضرب سورية كلها رداً على انتخابات مجلس الشعب، وكانت هذه آخر طرفة قالها. حيث قللت من شأنه أكثر ، وجعلت قوله كقول صاحب الذئب الذي كذب على الناس مرتين، حتى لم يعد أحد يصدقه، فأكله الذئب في الثالثة.

وبهذه الطريقة البيضاء كسب الأسد أصواتاً مؤيدة جديدة، هي تلك الأصوات التي لم تعد تثق بهؤلاء الثلاثة ورأت من تصرفاتهم ما يثير الريبة والخوف لدى الناس وخاصة في مسألة التواطئ مع العدو والتنازل السهل عن المبادئ.

ولو كنت مكان الأسد، لأرسلت لهم بطاقة اعتراف بالجميل فقد قصّروا المسافة بينه وبين الشعب، ولكتبت لهم في غرة رسالتي" ولا تكونوا كالتي نقضت غزلها من بعد قوة أنكاثا تتخذون أيمانكم دخلاً بينكم أن تكون أمة هي أربى من أمة......" الآية في سورة النحل، وما أدراني فلعله فعل، فإن لم يفعل فإني عنه فعلت.

(219)    هل أعجبتك المقالة (215)
التعليقات (0)

تعليقات حول الموضوع

لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية
*يستخدم لمنع الارسال الآلي