لا يتوقف الموت السوري، وعلى مدار الساعة هناك قصة رعب جديدة خارج الموت العادي الذي بات لا يثير اهتمام العالم في أن بقعة في هذه الأرض اسمها سوريا تنزف موتاً ومجازر منذ ثماني سنوات، وأن الطائرات ما زالت تغير على مدنها، وتقصفها مدافع جيشها والميليشيات الوافدة تحت رايات الانتقام والانتصار.
الصور القادمة من داخل البلاد متنقلة من مدينة إلى أخرى، ومن قرية لسواها تسجل نفس الملامح المذعورة، والأجساد الصغيرة المبتورة من كل الجهات، والبيوت التي كانت وصارت رماداً، والمجموعات الهاربة بحثاً عن ملجأ لمن نجا من الجحيم تحت أشجار البساتين أو حتى الكهوف.
ناجون آخرون على طول هذه البلاد التي أصابتها لعنة السلطة، واستحضار الماضي كسيف انتقام، وصراعات العالم، هؤلاء الناجون أيضاً لبعض الوقت يموتون بأشكال أخرى حتى أولئك الذين اعتقدوا أنهم فروا خارج البلا المحترقة.
موتى بالإهمال في دول الجوار الشقيقة والصديقة يخرجون آخر أنفاسهم أمام أبواب المشافي الحكومية والخاصة التي ترفض علاجهم لأنهم لا يملكون ثمن البقاء هانئين لساعات موتهم المؤكد، وهذا ما يحصل في لبنان وتركيا والأردن لأسباب تتقاطع جميعها في كون الذاهب إلى الموت سورياً لا يحمل بطاقة إقامة أو لا يملك مالاً أو لجنسيته التي باتت لعنة بعينها.
بالأمس قتل لاجئ سوري زوجته ومن ثم أطلق الرصاص على نفسه منتحراً، وتاركاً وراءه ثلاثة أطفال أكبرهم في العاشرة من عمره، وسبق هذه الحادثة حواث عدة في مختلف دول الشتات حيث انتشرت آفات الخيانة والجريمة وصدمة العالم الجديد التي أخرجب امراض السوريين النائمة.
قبلها بأيام فجعت عائلة سورية فلسطينية بموت ابنتها التي تبلغ السابعة عشر من عمرها بشكل مفاجئ في أحد مراكز الإيواء، حيث تحجز السلطات الأوروبية الأطفال الذين يتعرضون للتنمر وسوء المعاملة الذي يعتبره أهالي هذه البلاد المطحونة تربية حسنة لأبنائهم، وهؤلاء الأولاد مصيرهم أن يكون بشراً آخرين مختلفين سلباً أم إيجاباً.
في داخل الوطن المتجانس أيضاً الذي تحكمه قبضة المخابرات والتجار للموت السوري نكهة الجوع، ولم تزل صورة الطفلة المنتحرة بدمشق تدفع الجميع للتساؤل عن مصائر مختلفة للسوريين الذين اعتقوا أنهم نجوا من موت الرصاص فطاردتهم أشكال جديدة للموت إما جوعاً أو خطفاً أو في حفلة رصاص طائش.
حدائق دمشق المفتوحة لكل الشهوات المحرمة يحوم الموت فيها حول مئات الأطفال المشردين الذين أدمنوا الدعارة والحبوب المهدئة وشم (الشعلة)، وآلاف المراهقين الذين استفاقوا في الشوارع حيث يسود فقط قانون العصابات واللصوص، وكل هؤلاء مشاريع موتى أو مجرمين ما لم تلتفت إليهم الأيدي الرحيمة التي تبدو بعيدة جداً عنهم. هذا كله يجري داخل وخارج البلاد المصابة بلعنة الموت الذي بدأ برصاصة أمرّ بإطلاقها أحمق على طفل محتج على بؤسه وظلمه، وتستمر فيها اللعنة بإتفاق العالم على دفن أحقاده ومشكلاته وصراعاته في مقبرة كبيرة.. هي هذي البلاد الكسيرة.
الناجون من الحرب السورية.. منْ يقتلهم؟*

*عبد الرزاق دياب - من "كتاب زمان الوصل"
تعليقات حول الموضوع
لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية